هانى عياد

«الإخوان» من المهادنة إلى السلطة

الثلاثاء، 07 مايو 2013 11:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما كان وصف نظام مبارك لجماعة الإخوان بأنها «محظورة» واعتبارها خارجة على القانون، من أكثر اللقطات إثارة وأعمقها دلالة فى مشهد العلاقة بين الطرفين، إذ لم يكن مفهوما كيف تكون الجماعة «محظورة» بينما لها مقر عام معروف المكان والعنوان، ومرشد عام معروف الاسم والعنوان، يذهب صباح كل يوم إلى مكتبه يمارس عمله فى إدارة شؤون «الجماعة المحظورة»، وأعضاء مكتب إرشاد ومجلس شورى معروف أغلبهم، يمارسون جميعا أعمالهم، المهنية أو فى الجماعة، بحرية كاملة.
نحن إذن لسنا بصدد الحديث عن تنظيم محظور، إنما أمام جماعة تنعم بعلنية الوجود دون شرعيته، وتتمتع بحرية العمل دون تقنينه.
وفى علنية الوجود وحرية العمل امتدت حبال الاتصال والتواصل بين الطرفين، حيث كان جهاز أمن دولة مبارك يعقد الصفقات الانتخابية مع الجماعة «المحظورة» تماما مثلما يفعل مع الأحزاب الأخرى «غير المحظورة»، صفقات اعترف بها مهدى عاكف، المرشد السابق للجماعة، وأسماها عصام العريان «تفاهمات»، ربما على سبيل التخفيف، لذا لم يكن غريبا ما أعلنه الدكتور محمد مرسى، فى حواره مع الزميلة المصرى اليوم «25 نوفمبر 2010» أن «الإخوان لم يقدموا مرشحين لهم فى دوائر زكريا عزمى وبطرس غالى وفايزة أبو النجا، لأنهم من رموز الوطن المحترمين»، ولم يكن خارج السياق العام للعلاقة بين الطرفين أن جميع نواب الجماعة فى البرلمان كانوا دائما يعطون صوتهم لفتحى سرور رئيسا للمجلس.
وقد كان لهذا الوضع الذى بدا شاذا دواعيه، مثلما كانت له تداعياته.
كان الرئيس الأسبق أنور السادات هو من منح تنظيم الإخوان قبلة الحياة، عندما أخرج قياداتهم من السجون وأعاد الهاربين منهم إلى الخارج، وسمح لهم بحرية الحركة، وفيها تخليصه من صداع الناصريين والشيوعيين، معتقدا أن حجب الشرعية عنهم كفيل بإبقائهم تحت السيطرة، أو «صباعهم تحت ضرسى» حسب التعبير الشائع المنقول عنه، لكن الذى حدث أن الجماعة المحجوبة عن الشرعية، سرعان ما نمت وترعرت وتفرعت عنها - تنظيميا أو فكريا - أذرع كثيرة، نجح أحدها فى قتل السادات نفسه.
ثم كان أن مبارك، وقد وجد نفسه عابرا إلى القصر الرئاسى فوق جثة رئيسه المقتول بجواره، لم يستوعب من الدرس سوى أن حجب الشرعية وحده لا يكفى لإبقاء «صباعهم تحت ضرسه» وأن «الفروع» أحيانا ما تكون أشد خطورة من «الأصل»، وأهمل باقى الرسالة، أو لعله لم يفهمها.
وكذلك بنى مبارك أسلوبه فى التعامل مع القوى الإسلامية، وفق ما يمكن تسميته نظرية «الانفراد والتقليم»، الانفراد بالجماعة الأم، مع العمل المستمر على تقليم أظافرها، وبما يحيلها إلى «فزاعة» فاقدة القدرة على «الخربشة»، لكنها كافية لإثارة فزع الداخل والخارج - وقت الضرورة - باعتبارها البديل المحتمل للنظام.
وعند أواخر تسعينيات القرن الماضى، كان نظام مبارك - العادلى قد نجح فى تفريغ الساحة من كل «الأذرع الإسلامية»، منها من تراجع عن منهج العنف، ومنها من اكتفى بما حصل عليه من مساحات للعمل «الخيرى» مقابل دعم النظام، حين الحاجة، ومنها من تفرق أعضاؤه وانتهى، وحدهم الإخوان بقوا فى المشهد يواجهون عمليات «التقليم» المستمرة، والتى أريد لها أن تطغى على المشهد وتصبح هى وحدها جوهر العلاقة ومحتواها.
وربما كانت مصادفات الأقدار وحدها هى التى رتبت ذلك التزامن بين إنجاز مهمة «الانفراد» بالجماعة وظهور مشروع التوريث، الذى راح يفرض نفسه على المشهد السياسى المصرى، وبما أضفى على «الفزاعة» وظيفة الترويج - داخليا وخارجيا - لمشروع التوريث، وخصوصا بعد أحداث سبتمبر 2001، التى ضربت قلب الولايات المتحدة وأصابت الغرب مجتمعا بما هو أكثر من الفزع، من كل ما هو «إسلامى».
لكن ما لم يستوعبه مبارك من تجربة السادات - وقد كان شاهدا - أن الجماعة التى وضعت نفسها فى خدمة أهداف الرئيس، كانت تعمل فى الوقت ذاته لحسابها الخاص، وظلت تهادنه حتى تمكنت منه، وبما يعنى بالضرورة أن «الانفراد والتقليم» لن يغير من طبيعتها شيئا، وهو ما كشفته بالدليل الملموس «خطة التمكين» التى عثرت عليها أجهزة الأمن، فى قضية سلسبيل الكبرى عام 1992، ثم انتهت بصورة لم تزل غامضة حتى الآن.
وكذلك كان مهدى عاكف مرشد الجماعة السابق يعلن على صفحات مجلة آخر ساعة «30 يوليو 2005» أنه يؤيد انتخاب الرئيس مبارك، بينما الجماعة «تتقرب إلى الله» بتنظيمها السرى الخاص، حسبما ظهر مؤخرا فى فيديو لمرشد الجماعة الأسبق، وكان محمد بديع يعلن على الهواء مباشرة أن مبارك والد لكل المصريين، وأنه يوافق على ترشيح جمال مبارك للرئاسة «برنامج العاشرة مساء 14 إبريل 2010»، بينما كانت الجماعة تواصل تغلغلها بين ثنايا ومفاصل المجتمع، وتزرع خلاياها النائمة فى «المؤسسات الفاعلة فى الدولة» - حسب نص خطة التمكين، وقد انكشف منها - حتى الآن - مؤسستا القضاء والداخلية، وكان عصام العريان يعلن عدم مشاركة الإخوان فى مظاهرات 25 يناير 2011، بينما الاتصالات مع حماس «على ذمة الزميلة المصرى اليوم» متواصلة بكثافة، تحسبا لأى جديد، بانتظار لحظة ربما تكون قد دنت.
وظنى أنه بعد انهيار وزارة الداخلية، يوم 28 يناير 2011، وفتح السجون، وضع الإخوان على طاولة البحث سؤال: هل آتت المهادنة ثمارها وحانت لحظة التمكين؟ وكانت الإجابة: «نعم»، دون أن يعنى ذلك التخلى تماما عن سياسة المهادنة «الاجتماع مع عمر سليمان» تحسبا لفشل الثورة واستمرار مبارك حاكما.
وبعد سقوط مبارك، اتجهت سياسة المهادنة صوب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بينما كانت خطة التمكين تتحسس طريقها للتنفيذ العملى والعلنى على الأرض، ولعل التعديلات الدستورية، ثم استفتاء 19 مارس 2011، كانت هى خطوتها التنفيذية الأولى، وقد كانت - فى الواقع - خطوة مزدوجة، حيث تكفلت التعديلات الدستورية، «ومن بعدها الإعلان الدستورى»، بوضع العربة أمام الحصان «الانتخابات أولا»، وبما يتيح للإخوان باعتبارهم القوة الوحيدة المنظمة، فرصة الفوز بالانتخابات ثم كتابة دستور على مقاسهم «وقد حدث بالفعل»، بينما أسفر الاستفتاء على التعديلات الدستورية عن تقسيم المجتمع إلى فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر «غزوة الصناديق».
والحاصل أن «الجماعة» وعلى مدى ما يقرب من عام ونصف العام، خاضت سلسلة طويلة من المراوغات والمساومات والصفقات «لم تزل وقائعها طرية فى الأذهان»، بدا معها وكأن «الصندوق الانتخابى» لم يكن وحده هو طريقها للوصول إلى قمة السلطة.
وعندما بدا للجماعة أن طريق «التمكين» قد أصبح مفروشا بالورود، كانت الوقائع على الأرض تقول شيئا مغايرا تماما، فشلا ذريعا فى كل المجالات، اعترفت به - ضمنا، ولكن بوضوح - الجماعة نفسها التى ألقت مسؤولية الفشل على المعارضة وأعادت أسبابه إلى المظاهرات والاحتجاجات والإضرابات. بينما حقيقة الأمر أن الفشل الذى صادف الجماعة، هو المرادف الموضوعى لأسلوب عملها، القائم على المهادنة فالانقلاب فالتمكين، والانعكاس الطبيعى لبنائها الهيكلى الذى جرت صياغته وتأسيسه للتخديم على هذه الأهداف الثلاثة.
ربما كان من الممكن للتمكين أن ينجح - مؤقتا - فيما لو وصلت الجماعة إلى السلطة نتيجة انقلاب يبدأ باغتيال الرئيس، ثم استخدام «الخلايا النائمة» للسيطرة على مفاصل الدولة الرئيسية، فى سيناريو مشابه لاغتيال السادات وما أعقبه، لكن الأمر يبدو مستحيلا بعد ثورة شعب خرج مطالبا بالعيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولم يخسر شيئا سوى قيوده ومخاوفه، بيد أن الأمر اختلط على «الجماعة»، وقفزت مباشرة إلى التمكين، بخطة لا تتضمن سوى سيطرة على حكم وترويض مجتمع، دون أية رؤى أو أفكار، فضلا عن برامج عملية، لتحقيق مطالب شعب كسر حاجز الخوف ولم يعد بمقدور أحد أن يعيده إلى الوراء.
وكذلك لا يبقى أمام من يصل إلى السلطة بعد ثورة شعب إلا أن يحقق مطالب الثورة، أو أن يلحق بالرئيس الذى سبقه، وليس ثمة متسع بينهما لخطة تمكين.





مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

يسقط يسقط حكم المرشد !!

دائماً يا استاذ هانى !!................الناس بتكره المرض !!.....وبتحاول تعمل عليه حظر !!!!

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسر

عبد الناصر ومبارك كانا مرعوبان من شعبية الاخوان

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة