جهاد مصطفى، هذه الفتاة التى ترتدى النقاب، نشأت فى أسرة مؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين.. ولكن خلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، كانت تسير وسط أسواق الشوارع الفوضوية ومحطات مترو الأنفاق المزدحمة، لتجمع توقيعات على استمارة تمرد التى تطالب بتنحى الرئيس محمد مرسى.
وتبلغ حملة تمرد، التى لم يتجاوز عمرها شهورا، ذروتها فى احتجاجات الثلاثين من يونيو، التى تأمل المعارضة أن تحشد خلالها ملايين المتظاهرين لإجبار مرسى على التنحى، بعد عام من تنصيبه.
غير أن منظمى الحملة يقولون إن أنشطتهم لن تتوقف عند هذا الحد، بصرف النظر عما سيحدث اليوم، يقول هؤلاء إنهم خلقوا شبكة شعبية حقيقية، كنسخة معارضة تجيد عملية الحشد فى الشوارع، مثل الإسلاميين الذين يتسمون بخبرة فى هذا المجال، وخلقت جيلا ثانيا من نشطاء الشارع، مثل جهاد مصطفى، بعد الموجة الأولى من الاحتجاجات التى قادت الثورة ضد الدكتاتور حسنى مبارك عام 2011.
يريد هؤلاء استغلال هذه الشبكة للمضى قدما، فى الإبقاء على الزخم الشعبى والضغط على أحزاب المعارضة العلمانية والليبرالية، التى يقول نشطاء إنها أضاعت فرصا - من خلال الصراع الداخلى والتشرذم - بدلا من العمل سويا فى تحقيق أهداف الثورة.
وفى أحد الأيام الأخيرة، كان المقر الرئيسى لحملة تمرد - الذى يبعد خطوات عن ميدان التحرير بالقاهرة - صاخبا بعشرات المتطوعين من أعمار تبدأ من ثلاثة عشر عاما، وحتى فئات عمرية أكبر كالخمسينيات والستينيات.
أساتذة الجامعات وموظفو الحكومة والطلاب وربات البيوت يرتشفون الشاى ويتجاذبون أطراف الحديث، وهم يحصون حزم استمارات تمرد التى لا تزال تأتى من مختلف أرجاء البلاد.
ويرى منظمو الحملة أن التوقيعات التى حصلوا عليها، تعد برهانا على التحول الشديد من قبل الرأى العام المصرى ضد جماعة الإخوان المسلمين.
ومن بين المتطوعين جهاد مصطفى البالغة من العمر سبعة عشر عاما، والتى تقول إنها تحولت إلى المعسكر المناهض للرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، بعدما قتل أول محتج تحت إدارته أواخر عام 2012.
انضمت جهاد لتمرد، التى انطلقت أواخر إبريل الماضى، وتطوعت بأن تجوب الشوارع لجمع توقيعات تمرد، وذات مرة عندما كانت فى مترو الأنفاق، هاجمها رجل ملتح، ونزع النقاب من وجهها، لكن الركاب الآخرين اشتبكوا معه دعما للفتاة.
وتعليقا على ذلك، قالت جهاد "لقد زادنى ذلك قوة.. وشعرت بأننى أفعل الشىء الصحيح".
ويؤكد منظمو تمرد أن الحملة انتشرت فى كافة أجراء البلاد، وكانت الحملة قد قامت فى البداية على خمسة ناشطين، وهناك قيادة مركزية مكونة من خمسة وعشرين شخصا، ترتبط بشبكة من المنسقين فى محافظات الجمهورية البالغ عددها سبع وعشرون محافظة، والتى تعتمد على متطوعين فى المدن والقرى.
وتعد هذه التوقيعات بمثابة قاعدة بيانات للساخطين على أداء مرسى، حيث يضع المعارض اسمه ومحل الإقامة ورقم بطاقة الهوية.
جمع التوقيعات فى حد ذاته انتصار، ففى السابق، كانت هناك صعوبة بالنسبة للتوقيع على أية ورقة يقدمها شخص غريب، خاصة فى القضايا السياسية، فجهاز أمن الدولة تحت حكم الدكتاتور مبارك كان يحول دون هذه الممارسة.
وبهذه الاستمارات، استحضر المتطوعون السياسة فى كافة أرجاء وأركان البلاد، لاسيما حفلات الزفاف، وأزقة الأحياء الفقيرة، وحافلات النقل العام، ومحطات مترو الأنفاق.
ومن بين المتطوعين، أناس غرباء على الحملات السياسية.. من رجال يبيعون السجائر فى الأكشاك وحتى النساء الفقيرات اللاتى يبعن الخضروات فى الأسواق.
وقال متحدث باسم حزب الحرية والعدالة، إنه يتعاطف مع بعض النشطاء فى تمرد "هؤلاء الثوار الشباب الذين كان لهم سقف توقعات عال بالنسبة للثورة.. ونظرا لقلة خبرتهم وحداثة سنهم، فإنهم يريدون التغيير بأسرع وقت ممكن، وهذا ما أصفه بالإحباط.
غير أن عبد الموجود الدرديرى، قال إن "الانتهازيين السياسيين" يستغلونهم لتحقيق أجندة سياسية، مشيرا إلى أن عناصر النظام السابق يستغلون هؤلاء السياسيين والنشطاء.
وأضاف الدرديرى، "هناك تحالف غير مقدس بين هذه التيارات، إنهم يصرون على أن هناك عدواً واحداً وهو الرئيس مرسى".
ويقول نشطاء تمرد إنهم يقودون السياسيين فى المعارضة الليبرالية والعلمانية والفصائل المختلفة، فى محاولة لبناء علاقة أوثق وأفضل مع الرأى العام.
وتقضى خطة الحملة بالإطاحة بمرسى، على أن يصبح رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً شرفياً إلى حد كبير، ثم يتولى مجلس وزراء مشكل من كفاءات (تكنوقراط) إدارة شئون البلاد، وتشكيل لجنة لكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية فى غضون ستة أشهر.
من جانبه، قال أحمد عبدو، وهو من أوائل المتطوعين بحملة تمرد، إن الحركة ستضغط على المعارضة لتحتشد حول مرشح واحد.
وإذا لم يحدث ذلك "فإننا سنختار شخصية بعيدة عن قادة المعارضة، وسنكون قادرين على حشد التأييد له".
وألقى عبدو باللائمة على ترشيح المعارضة عددا من الشخصيات فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذى كانت نتيجته إعادة بين مرسى ورئيس وزراء مبارك السابق أحمد شفيق، ما أجبر الناس على الاختيار بين إسلامى وبين موال لنظام مبارك الذى تمت الإطاحة به.
وقال عبدو، "آمل ألا يحدث ذلك مرة أخرى".
وتتعارض آليات ووسائل شبكة تمرد مع الكثير من الأحزاب السياسية التى تناضل من أجل انتشار فى مختلف أرجاء البلاد، وهو الذى كان له العامل الأكبر فى سيطرة جماعة الإخوان المسلمين عبر كواردها المنضبطة على الصعيد الوطنى، على الانتخابات البرلمانية التى عقدت أواخر عام 2011 وأوائل عام 2012، وضمان تمرير الدستور فى استفتاء ديسمبر، ناهيك عن تعزيز فرص مرسى فى الفوز بالمقعد الرئاسى.
ويروى متطوعو تمرد، وبعضهم مؤيدون سابقون لمرسى، وآخرون معارضون له منذ البداية، قصصا متفاوتة بشأن أسباب انضمامهم للحملة.
ويقول معظمهم إنهم يشعرون باستياء حيال ما وصفوه بانتهازية الإخوان، ومحاولتهم السيطرة على مفاصل الدولة، أكثر من إصلاح مؤسسات الدولة والشرطة.
وفى أحد مقرات تمرد، قالت دعاء محمد، وهى موظفة شابة فى وزارة العدل، إنه بعد يوم من انتخاب مرسى، بصق رجل على وجهها فى الشارع، وصاح فيها قائلا، "غدا، سيتخلص مرسى منكم جميعا".
وترتدى محمد غطاء عصريا للشعر، أقل صرامة من الخمار أو غيره من الأغطية التى يعتقد المتشددون أن على المرأة ارتدائها.
وأضافت أنه تم استبدال مديريها فى وزارة العدل بمتعاطفين مع الإخوان المسلمين، وأردفت قائلة، "من اليوم الأول لانتخابه، عوملت وكأننى مواطنة من الدرجة الثانية.. الأخوات المسلمات يتمتعن بمكانة أعلى منى فقط، لأنهن ينتمين إلى الجماعة".