محمد عبد الناصر

الاشتراكية الديمقراطية ببساطة (1-3)

الأحد، 09 يونيو 2013 04:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نعيش حالياً فى ظل نظام اقتصادى يمينى تبنته الدولة المصرية منذ سبعينيات القرن الماضى فى عهد الرئيس أنور السادات، وحافظ عليه حسنى مبارك ومحمد مرسى حتى الآن على حدٍّ سواء.

إنه النظام النيوليبرالى الغربى الذى تدعمه كبريات المؤسسات المانحة للقروض فى العالم، وتوجه دول العالم المتعثرة إليه، وتشجعه الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه مع اقترانه بالعولمة يتسبب فى توسيع قاعدة النفوذ والأرباح للدولة العظمى حول العالم.

ويقوم هذا النظام بشكل أساسى على تحرير التجارة من جميع قيود الدولة، وتحرير الأسواق والنشاط الاقتصادى عموماً من سيطرة الدولة، فيشجع فتح الأسواق على المنتجات الأجنبية، ويدعم الخصخصة، وتتحول الدولة فيه إلى مجرد جهاز لتنظيم البحث عن الاستثمارات، وجباية الضرائب، التى يفترض أن تتوجه لدعم بعض الخدمات الاجتماعية كالمعاشات والضمان الاجتماعى وإعانات البطالة، وما إلى ذلك.

أدنى مساوئ هذا النظام هو أنه يهددك بالتبعية للخارج فى حال ما لم تكن على قدر المنافسة، وأنت دائما لن تكون على قدر المنافسة لأنك لن تستجيب لضغوط القوى الدولية والمؤسسات المانحة المجحفة إلا وأنت فى وضع حرج بطبيعة الحال، وأقسى مساوئ هذا النظام هو أنه يؤدى إلى ترهل الحكومة واحتواء النظام الديمقراطى، وإدخال شركاء رأسماليين من الباطن فى نظام الحكم.. لم ينتخبهم الشعب بالطبع.

فضلاً.. عن أنه نظام يهدر سعادة الإنسان وقيمته، حتى فى دُوله الأم.. صحيحٌ أن الرأسمالية العالمية أخذت خطوات أكثر تقدما فى مجال حقوق الإنسان خصوصا تحت تأثير فورة اليسار فى القرن العشرين، غير أنها لم تأخذ هذه الخطوات إلا لكى تحمى وجودها وتعزز استمرارها فى مقابل أى احتجاجات أو انتفاضات شعبية محتملة نتيجة لقهر البشر المستمر، واعتبارهم مجرد أداة لتحقيق الربح المادى وليسوا هدفا من هذا الربح.. فالربح ثم الربح ثم الربح هو دين كل المؤسسات الاستثمارية وديدنها، وكلما زاد هامش الحرية الممنوح لها بعيدا عن رقابة الأمة، أو المؤسسات التى تنتخبها الأمة ممثلة فى الحكومة، كلما أهدرت كرامة الإنسان وسلامة الأرض والبيئة، وفعلت كل ما يلزم لتحقيق تنميتها فقط، هى والطبقات التى تمتلكها بالتأكيد، بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.

وفى سبيل التسابق على الربح، لا تكتفى هذه المؤسسات "الحرة" باختراع وتوفير كل ما قد يدفع الإنسان فيه المال وحسب، ولكنها أيضا تصطنع احتياجات جديدة للبشر باستمرار، وتطور باستمرار ماكينات الدعاية وعلوم التسويق المقيتة حتى تبتز الناس أكثر فأكثر للدفع.. فمعظم الناس الآن فى ظل هذا النظام يعملون فى وظائف لا يحبون ولا يحظون فيها بالسعادة والرضا، لكى يشتروا أشياء لا يحتاجونها، ولا يعرفون لماذا اشتروها أصلاً..! ويكفيك أن تصطحب زوجتك وأولادك إلى أى "مول" أو "هايبر ماركت" وفى جيبك أى مبلغ من المال، لكى تفهم ما أقصده بالمثال الحى..!

تحرير السوق وفتح الأسواق العالمية لم يؤد فقط إلى ترهل الحكومات وتعاسة الإنسان وانهيار الصناعات الوطنية التى لم تستطع المنافسة أمام الإغراق العولمى، ولكنه سمح كذل لبعض الشركات الكبرى بأن تتغول وتتوحش وتصبح ميزانيات بعضها أكبر من ميزانيات بعض الدول، وبالطبع فإن هذا الاستثمار الخاص العابر للقارات لا تعنيه مصالح الشعوب فى شيء، ولا تهمه "الخصوصيات الثقافية" للشعوب، بقدر ما يعنيه الربح المادى السريع والكثير، حتى لو على حساب مسخ الهويات الخاصة للشعوب والأمم، وصبها جميعا فى قالب عولمى واحد طيّع.

أضف إلى ذلك أن الحكومات التى تستسلم لهذا المد النيوليبرالى تصل فى النهاية إلى حالة من العجز التام عن ضبط إيقاع أى شيء، والانهيار الشامل اقتصاديا وسياسيا، بعد أن تفقد سيطرتها على كل أدوات ووسائل الإنتاج والثروة، ولا تستطيع أن توفر لمواطنيها قوانين كافية لحمايتهم أو حماية أراضيهم، وتقف عاجزة وهى ترى الإنسان يباع بالسعر الذى تحدده الشركات وتفقد الحكومة السيطرة عليه، وفى حال إذا ما حاولت الحكومة أن تأخذ أى موقف، فإن هذه الشركات تحتوى النظام الديمقراطى برأس المال وبنفس آليات الدعاية والتسويق والإعلان التى تبيع بها سلعها الفارغة، تسوق للناس رؤساء أو رؤساء حكومات فارغين، غير قادرين على المبادرة أو أخذ أى خطوة تحفظ مصالح الناس والأرض على حساب مصالح أصحاب رؤوس الأموال.. فالديمقراطية فى النظام النيوليبرالى هى دائما ديمقراطية خادعة، وقابلة للتوجيه.

وفى تجربتنا المصرية، مازال النظام السياسى خاضعا لهذه القواعد عينها بعد الثورة، فحكومة الإخوان المسلمين لم تغير البوصلة الاقتصادية لحكومات حسنى مبارك، ومازالت تفكر فى قائمة الأولويات نفسها، التى تشمل: جذب الاستثمار، الخصخصة، توفير المناخ الملائم للمستثمرين، الاقتراض من البنك الدولى ومثل هذه المؤسسات الصفيقة التى هى أشبه ما تكون بصيدلى تذهب إليه لكى يعطيك بعض المسكنات، فتجده بالتدريج قد وضع ذراعه فى أمعائك وأخرجه من خاصرتك، وأنت لا تستطيع إغلاق فمك المفتوح حتى لكى تقول له أن يتوقف!

كل هذه الآثار السلبية والمضاعفات التى أورثنا إياها النظام النيوليبرالى العولمى التابع تفرض على الإنسان المصرى البحث عن حزمة حلول لمشكلاته، وليس عن حل واحد، فمثلا سيطرة الرأسمالية على النظام الديمقراطى تجعلنا نعيد التفكير فى جدوى الديمقراطية الغربية أصلا وقدرتها على الاستمرار فى المستقبل، دون أن يكون البديل هو العودة إلى الوراء للديكتاتورية، كما أن الأعراض الكثيرة التى نعانيها جراء السياسات الاقتصادية لحكوماتنا المتعاقبة منذ السبعينات كارتفاع البطالة وانهيار سعر العملة والعجز الدائم فى ميزان المدفوعات، كل هذه مشكلات من الممكن أن تتفرغ عقول كثيرة فى البحث عن حلول جذرية لواحدة منها فقط.. غير أن الرؤية التى يجب أن تحركنا فى المرحلة القادمة يجب أن تكون رؤية كلية تتعامل مع جوهر المشكلة مباشرةً، دون أن تغفل أعراضها بالطبع، وجوهر المشكلة هو أن النظام الاقتصادى والسياسى كله يحتاج إلى الإحلال والاستبدال.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة