هانى عياد

تظاهرات واعتصامات الإسلاميين.. بين الطبيعى والشاذ

الجمعة، 19 يوليو 2013 10:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يدهشنى أن أرى عشرات الألوف، وربما مئات الألوف، من الإسلاميين معتصمين فى إشارة رابعة وفى ميدان النهضة، ولا «مظاهراتهم» الليلية فى عدد من أحياء العاصمة وبعض المحافظات، لا يدهشنى ذلك على الإطلاق، حيث لم يقل أحد إن جماعة الإخوان المسلمين لم يعد فيها سوى محمد بديع وعصام العريان، ولم يقل أحد إن توابعهم وأذرعهم السرية والسياسية لم يبق فيها سوى عاصم عبد الماجد وعصام سلطان. ليس هذا صحيحا على الإطلاق، فالجماعة وتوابعها وأذرعها لم تزل تحتفظ بأعضائها (رغم ما يتناثر من أخبار هنا وهناك عن انشقاقات فيها) وهؤلاء الأعضاء يقدرون بمئات الألوف، وترى بعض المصادر أنهم قد يصلون إلى ثلاثة ملايين عضو، ومن الطبيعى أن يلتزموا بتعليمات قادتهم، ليس فقط وفق مبدأ السمع والطاعة، لكن أيضا نتيجة لعمليات غسل الأدمغة المتواصلة وإعادة شحنها بحكايات الدفاع عن الإسلام وإقامة دولة إسلامية تكون نواة لاستعادة حلم الخلافة، مع ما يستتبعه ذاك من شحن خاص ضد كل أطياف المجتمع، غير المنتمين إلى الجماعة وتوابعها وأذرعها، والذين هم بالضرورة أعداء الإسلام والمشروع الإسلامى.

وكذلك يكون من الطبيعى أن ترى مئات الألوف معتصمين ومتظاهرين من أجل استعادة الحكم الإسلامى، واستئناف المشروع الإسلامى، لكن غير الطبيعى، وصولا إلى تخوم الشاذ، ألا يرى هؤلاء الألوف أنهم قد أصبحوا وحدهم فى جانب والشعب كله فى جانب آخر ضدهم، فى الاعتصامات يفتشون الداخلين بدقة خوفا من تسلل «غرباء» إليهم (وهو أمر يختلف جذريا عن دور لجان التفتيش فى ميدان التحرير والتى تفتش فقط عمن يحمل أسلحة معه دون النظر إلى هويته السياسة أو الاجتماعية)، وفى مظاهراتهم يواجههم ويتصدى لهم أهالى المناطق التى يتظاهرون فيها، ثم إنهم دائما يتظاهرون محملين بمختلف أنواع الأسلحة، البيضاء والحمراء، وكأنهم ذاهبون إلى غزوة تستهدف الناس والممتلكات من محلات وسيارات، دون أن يسأل أحد منهم نفسه لماذا السلاح؟ ولمن نوجهه؟ وماذا بعد استعداء كل الناس ضدنا؟

غير الطبيعى ألا يرى هؤلاء الإسلاميون أنهم قد أصبحوا مرفوضين من كل المجتمع، بمن فيهم أعضاء حزب الكنبة، ثم لا يتوقفون لحظة ليسألوا أنفسهم كيف يمكن أن يحكموا شعبا يرفضهم إلى حد الكراهية؟ ربما تكون لديهم قناعة بأنهم قادرون على إعادة مرسى إلى الرئاسة مرة أخرى، وهذا حقهم، لكن ماذا بوسع مرسى أن يفعل إذا ما عاد ليحكم شعبا يرفضه حتى الكره، كيف يمكنه أن يحكم الآن، وقد فشل فشلا مروعا فى تجربة الحكم عندما منحه الناس أصواتهم والتفوا حوله، ماذا بوسعه أن يفعل إذا ما عاد الآن، وهو من أحال الأمل فى نفوس الشعب إلى يأس منه ورفض له، والذين التفوا حوله بالأمس القريب لإنجاحه، اجتمعوا اليوم ضده لإسقاطه.

من الطبيعى أن يطالب الإعلامى الإخوانى أحمد منصور أتباعه المعتصمين فى رابعة بخداع الناس، فيطلب منهم ألا يرفعوا شعارات تطالب بعودة مرسى، لأن أحدا لن يستجيب لها أو يتفاعل معها، ويطلب منهم بدلا من ذلك العودة إلى شعارات يناير 2011، هذا يبدو – لى على الأقل - طبيعيا لمن تربى فى تنظيم يمارس الكذب والخداع بنفس السهولة التى يتنفس بها الناس، لكن غير الطبيعى، ألا يتوقف أحد من هؤلاء «الاتباع» ليسأل نفسه إذا كان الشعب لن يخرج معنا لاستعادة مرسى فما هى جدوى إعادته إذن، حتى لو كنا قادرين على ذلك؟

من الطبيعى أن يرى أعضاء الإخوان وتوابعهم وأذرعهم السياسية والسرية، أن ما حدث فى 3 يوليو كان انقلابا عسكريا، هذا حقهم فى ضوء قناعاتهم أيا كان مصدرها وسببها، لكن غير الطبيعى، وصولا إلى مستوى الشذوذ ألا يلاحظوا أنهم لا يواجهون المؤسسة العسكرية وحسب، لكنهم يواجهون شعبا بأكمله، ولا يسألون أنفسهم عن معنى مواجهة شعب وجيش، غير أنها مجرد نطح فى جدار صلب، ولا يتوقفون للتفكير فى جدوى نطح الجدار، وما إذا كان هو الأسلوب الأمثل لهدمه، أم أن هناك طرقا أخرى، ربما تكون أطول مدى، لكنها أكثر جدوى.

من الطبيعى والمفهوم أن يصاب قادة الإخوان وتوابعهم وأذرعهم بحالة من الهلع والذعر بعد سقوط سلطتهم، ليس لأن مشروعهم الإسلامى تعثر، فهم ليس لديهم لا مشروع إسلامى ولا أى مشروع آخر، لكن لأن اتهامات لا حصر لها تطاردهم، وقد ظنوا يوما أن النائب العام الملاكى يمكن أن يحميهم، فإذا بهم يسقطون شر سقطة مع نائبهم، والبلاغات تطاردهم والاتهامات تلاحقهم والسجن، أن لم يكن الإعدام ينتظرهم، لذا من الطبيعى ألا يكون أمامهم سوى مواصلة نطح الجدار، لكن غير الطبيعى وصولا إلى حدود الشذوذ أن يدفع أعضاء الجماعة وتوابعها وأذرعها فاتورة إنقاذ رقبة قادة متهمين، طواعية دون توقف أو تفكير أو تدبر.

وعندى أن التناقض بين ما هو طبيعى لدى قيادات الجماعة وتوابعها وأذرعها من جانب، وما هو شاذ فى مسلك القواعد من جانب آخر لن يستمر طويلا، بل سينفجر يوما ما، وبما يؤدى، شئنا أم أبينا، إلى تفكك وانهيار الجماعة، ثم تتلاحق التداعيات بانهيار مختلف توابعها وأذرعها السياسية والسرية.
الجماعة وتوابعها ينتحرون.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة