فرق كبير بين كلمتى التفكير والتكفير، رغم تطابق حروف الكلمتين، الشاعر حلمى سالم مبدع يمزج فى شعره بين صنعة فنية وثقافة راقية، وبين مواقفه الفكرية النبيلة المنحازة للعدل والتنوير، كراهية الظلام، فدائماً كان شعره يستفز معسكر الظلاميين، وقصائده تفجر حساسية بالغة لديهم.
فتعرض سالم لأزمة دامت أكثر من عام على خلفية قصيدته الشهيرة "شرفة ليلى مراد" التى نشرت بمجلة إبداع الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب عام 2007، كان يحارب فيها أنصار الظلام المعاديين للإبداع الذين فسروا قصائده الشعرية تفسيرات بعيدة تماماً عن الإبداع، بقوانين خاصة بهم، أدخلت قصائده فى تفسيرات دينية لإثبات تهمة الخروج من الإيمان، وبرغم ذلك خرج منتصراً من كل الاتهامات التى توجه له بالكفر.
وجاء هذا الإدعاء نتيجة لعدم فهم القصيدة، فهى ليست كما يقولون تسىء للذات الإلهية، ولكنها حملت لغة رمزية تحرضنا ضد أنفسنا، وإرادتنا الضعيفة، وتنتقد الكسل والتراخى، والفوضى الموجودة فى حياتنا.
لم يستسلم حلمى سالم، ونشر القصيدة ضمن ديوان "الثناء على الضعف"، ولكن المشكلة لم تنتهِ عند ذلك الحد، حيث تقدم مجمع البحوث الإسلامية بتقريراً إلى النيابة يتهمه فيه بأن الديوان يحتوى على قصيدة "تحمل إلحاداً وزندقة".
والحقيقة أن تقرير مجمع البحوث الإسلامية، لم يفهم القصيدة، لأن ذلك من مهمة النقاد، وليس رجال الدين، وتورط فى خطأ اعتبرته محكمة القضاء الإدارى فهماً صحيحاً، ولم تستند إلى آراء نقاد، ومثقفون، ممن يملكون الفهم الصحيح للقصيدة، ومفاتيح صورها الشعرية، فأصدرت حكماً يطالب وزارة الثقافة بعدم منح جائزة التفوق الشعرى لحلمى سالم عن مجمل أعماله، متعللة بإساءته للذات الإلهية.
ولأن المحكمة لا تملك تجريده من جائزته، فقد تصدى المثقفون لهذه الحملة الشرسة واعتبروها نموذجاً لحملات التكفير، والقمع، وتقدم المجلس الأعلى للثقافة بطعن فى قرار المحكمة، ووصف الأمين العام للمجلس آنذاك أن الطعن جاء كدعوة للتنوير، ومحاربة الظلامية التى توقف كل عمل إبداعى وأعطى أكثر من ستين مثقفاً جائزة التفوق لحلمى سالم.
والحقيقة أن الشاعر حلمى سالم لم يغضب كثيراً من ردود الفعل العنيفة تجاهه، وكان رده على اتهامه بالكفر متعقلاً فقال: لقد انتقدت فى القصيدة تواكل المسلمين على الله، وهذا معنى دينى ذكر فى القرآن الكريم...حيث قال تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).. وأكد أن القصيدة قالت هذا المعنى بصورة شعرية بسيطة، لم يعتد عليها كل الذين يقرأون الأدب قراءة حرفية.
فقصيدة "شرفة ليلى مراد" عمل إبداعى لا ينفع فى تناوله التفسير الدينى، الذى لا يعترف بفهم الكلمات والصور والأخيلة، ولا يعرف الإبحار إلى الباطن والعمق.
وفى النهاية، بعد جميع المحاولات التى تصدت للديوان، انتصرت القصيدة على كل حملات التكفير، والمصادرة، وبعدها بسنوات قليلة أسلم شاعر الحداثة والتصوف روحه لله، تاركاً قلبه الحزين على مصر، وغياب القيم بيننا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة