تحتفل مصر بعد أيام قليلة بمرور 40 عاما على انتصارات السادس من أكتوبر 73، ذكرى غالية على قلوب المصريين.. ذكرى الانتصار العظيم الذى سيظل محفورا فى وجدان كل مصرى ومدعاة للفخر فى تاريخ العسكرية المصرية التى رفعت أعلام النصر وأنجزت بالإيمان والقوة والروح أسمى عمل عسكرى فى تاريخ مصر والأمة العربية.
ويأتى الاحتفال بهذه الذكرى العظيمة والخالدة هذا العام فى ظل أحداث هامة تشهدها مصر أهمها مواجهتها لعودة الإرهاب الأسود، فإذا كان الجيش المصرى قد قام بمعجزة أكتوبر وحرر سيناء من الاحتلال الإسرائيلى فإنه يخوض معارك ضارية الآن ضد الإرهاب فى سيناء الذى سكن هذه المنطقة وسقط فيها عشرات الشهداء على تراب هذه الأرض الطيبة، هذه المعركة من أعظم معارك الجيش لتحرير سيناء منذ أربعين عاما وسوف يخرج من هذه المعركة منتصرا، لتبدأ معركة أخرى لتنمية سيناء.
إن الجيش المصرى يخوض الآن معركته ضد الإرهاب بتفويض من المصريين له الذين خرجوا يوم 26 يوليو، مؤكدين الرفض للإرهاب والعنف تلبية لدعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع، هذا اليوم يعتبر من الأيام التاريخية فى مصر والعالم، فالشعب المصرى قال كلمته فى حسم مؤيدا ومفوضا القوات المسلحة لكى تتخذ كل ما هو ضرورى لمواجهة عمليات الإرهاب، فالحرب على الإرهاب لا تقل أهمية عن حربى الاستنزاف وأكتوبر بل أصبحت بمثابة إنقاذ للمنطقة وليس لمصر فقط من خطر داهم قد تتجرعه شعوب عديدة.
فالجيش المصرى الآن يمسح عار الإهمال والتواطؤ والتأمر على جزء عزيز من الوطن.. لقد أكدت القوات المسلحة أن العمليات العسكرية فى سيناء وصلت إلى معدلات أداء قوية حيث تشير التقارير إلى أنه منذ بدء العمليات العسكرية فى 30 يونيو الماضى تم تدمير 390 بؤرة إرهابية بمناطق رفح والقرى التابعة لها، كما تم تدمير 101 سيارة تابعة للإرهابيين علاوة على 90 دراجة بخارية، بالإضافة إلى 393 نفقا، بنسبة 90% من إجمالى الأنفاق برفح، كما تم تدمير وضبط ما يقرب من 73% من الذخائر، التى يستخدمونها علاوة على محاصرتهم وقطع الإمدادات التى كانت تصل إليهم من تنظيمات موالية كما تم قطع الاتصالات عنهم وعن المناطق التى ينطلقون منها وخاصة خلال العمليات.
إن الحرب على الإرهاب فى سيناء قد بلغت مراحلها الأخيرة وما هو مؤكد هو أنها لن تتوقف تحت أى ضغوط ولن تعود من سيناء إلا بعد تطهيرها تماما من براثن الإرهابيين والخارجين على القانون وتهيئة أنسب الظروف لإطلاق عملية تنمية شاملة وحقيقية برعاية القوات المسلحة لمصلحة أهالى سيناء، وتجدر الإشارة إلى أن المراقبين سواء فى الداخل أو الخارج قد فوجئوا بذلك الإنجاز الكبير الذى حققه الجيش على أرض الواقع.
لقد أثبتت العسكرية المصرية وطنيتها وولائها للشعب فى المواقف المصيرية، وأكدت القوات المسلحة صلابتها واستعدادها القتالى فى مواجهة الأحداث الداخلية والمؤمرات الخارجية وجاءت وقفتها إلى جانب الشعب المصرى فى 30 يونيو و3 يوليو وحمايتها دليلا على تلك المبادئ وذلك حينما خرج أكثر من 33 مليون مصرى لاستكمال مسيرة ثورة 25 يناير وتصحيح مسارها وإعلان رفض حكم الإخوان والتصدى فى مواجهة عملية الأخونة والهيمنة على مصير الوطن.
لقد تحركت القوات المسلحة لمساندة الثورة ونزولا على أمر الشعب واستجاب الفريق أول عبد الفتاح السيسى لطلب الحماية للثورة بدافع الواجب الوطنى والإحساس بالمسئولية وهذه هى عقيدة العسكرية المصرية التى ظلت ملتزمة بها وأمينة عليها.
والجيش المصرى له تاريخ حافل بالبطولات عبر التاريخ فهو يعتبر من أقدم الجيوش النظامية فى العالم والعسكرية المصرية هى الأعرق على الإطلاق خاضت الحروب دفاعا عن الأرض ولم يكن أبدا الجيش المصرى جيش عدوان أو احتلال بل كان دائما قوة من أجل السلام وفرضه إذا تطلب الأمر ذلك.
لقد تحلى بالصفات النبيلة فى أوقات السلم والحرب وسطر الجيش المصرى على مدار التاريخ انتصارات عظيمة منذ حرب التوحيد على يد الملك مينا موحد القطرين عام 3200 ق م بعد أن قضى على الفتن وكان الجيش المصرى فى جميع أسر الدولة القديمة أقوى الجيوش وأصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر.
ثم تعرضت مصر فى بداية الأسرة الثالثة لغارات من البدو على حدودها فسارع الملك زوسر بوضع اللبنات الأولى فى بناء جيش موحد ثابت لمصر، وفى عصر الدولة الوسطى تكالبت على مصر الهجرات العنصرية التى عرفت بالهكسوس وأمكنهم الاستيلاء على السلطة لأول مرة فى تاريخ مصر وظل هؤلاء الغزاة يحكمون مصر قرابة قرن ونصف قرن، ويعد أحمس الأول بطل استقلال مصر وطارد الهكسوس من وادى النيل.
وقد شهد تنظيم وتسليح هذا الجيش تطورات عديدة فى عصور الدولة القديمة والدولة الوسطى أما التطور الكبير فى تنظيم الجيش فقد حدث فى عهد الدولة الحديثة.
ثم تغيرت العقيدة القتالية المصرية من الدفاع إلى الهجوم بعد زيادة الأطماع من الدول المجاورة لاحتلال أرض مصر وأصبح الجيش المصرى من أقوى الجيوش فى عهد الملك تحتمس الثالث الذى تولى حكم مصر عام 1468، خلفا للملكة حتشبسوت لمدة 32 عاما قاد خلالها 16 حملة عسكرية لتوطيد سلطان مصر ونفوذها فى كل أنحاء العالم ويعتبر تحتمس الثالث من أعظم ملوك مصر القديمة وأقدر قوادها العسكريين والسياسيين ومن أشهر المعارك التى ارتبط بها اسمه معركة "مجدو"، التى تقع شمال شرق جبل الكرمة شمال فلسطين.
وفى عصر الدولة الحديثة استطاع الملك رمسيس الثانى خوض العديد من الحروب التى انتصر فيها الجيش المصرى على الحيثيين والرومان وكانت قوة الجيش المصرى ترجع إلى أنه لم يكن يعتمد على المرتزقة الأجانب بل كل أفراده من المصريين وذلك من خلال نظام الخدمة الإلزامية والاستدعاء للخدمة أثناء الحرب، ومن أشهر المعارك التى خاضها معركة قادش.
وظلت قوة الجيش المصرى حتى العصر الإسلامى حيث حرر الجيش المصرى مدينة القدس من أيدى الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبى، كما قام الجيش المصرى بدور كبير فى هزيمة التتار الذين دمروا الخلافة الإسلامية العباسية بقيادة سيف الدين قطز فى موقعة عين جالوت.
ثم تأسس الجيش المصرى الحديث إبان حكم محمد على باشا الذى يعتبر مؤسس الدولة الحديثة، حيث كون جيشا من المصريين لأول مرة بعد فترة ظل الجيش فيها حكرا على غير المصريين وخاصة المماليك حيث بدأ محمد على ببناء أول مدرسة حربية تقوم بإعداد الجنود والضباط على الطراز الحديث عام 1820 بمدينة أسوان وقام بإنشاء العديد من الترسانات لتمويل الجيش بأحدث المعدات كالبنادق والمدافع والبارود واستعان محمد على باشا بالقائد الفرنسى الشهير سليمان باشا الفرنساوى الذى أقام فى مصر لتأسيس هذا الجيش الذى صار أحد أقوى جيوش المنطقة فى فترة وجيزة، وكان التجنيد إجباريا.
وقام الجيش المصرى بعدة حملات بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد على إلى بلاد الحجازوالشام واليونان لمواجهة الثورات اليونانية، وبسبب قوة الجيش المصرى سعت إنجلترا وفرنسا إلى تحجيم قوة وطموحات محمد على.
ثم جاءت مرحلة الاحتلال الإنجليزى والتى عمل خلالها المحتل على إضعاف الجيش المصرى، حتى حدثت نكبة عام 1948 حيث اشترك الجيش المصرى فى حرب فلسطين بعد القرار الذى أصدرته الأمم المتحدة فى 29 نوفمبر بتقسيم فلسطين وإنشاء دولتين إحداهما للعرب والأخرى لليهود.
وكانت نكبة 1948 سببا فى رفض الجيش المصرى للأوضاع الفاسدة وقبول الهزيمة التى لاذنب له فيها ومن هنا ظهرت حركة الضباط الأحرار وكانت ثورة يوليو 1952 والتى طالبت بعودة الجيش المصرى لإشراف أبنائه عليه ولهذا كانت أول خطوة قام بها الزعيم جمال عبدالناصر بعد توليه رئاسة البلاد هو رفع قوة الجيش وزيادة عدده وإدخال نظام التجنيد الإجبارى وتزويده بالأسلحة الحديثة، حيث تم توقيع اتفاقيات مع الاتحاد السوفيتى لتزويد مصر بالأسلحة المتطورة بعد أن رفضت العديد من الدول الغربية إمداد الجيش المصرى بها وكانت هذه هى بداية ازدهار الجيش المصرى واستعادة قوته مما أغضب الدول الاستعمارية إنجلترا وفرنسا وإسرائيل.
ومن هنا تعرضت مصر للعدوان الثلاثى فى عام 1956 على إثر قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس بعد رفض البنك الدولى تقديم قرض لمصر لبناء السد العالى وتصدت لها القوات المصرية وكبدوهم خسائر فادحة مما جعل الأمم المتحدة تندد بالعدوان الثلاثى وطالبتهم بالانسحاب كما ضغطت أمريكا على إنجلترا وفرنسا وهددهم الاتحاد السوفيتى مما أجبرهم على سحب قواتهم بعد أن يأسوا من مقاومة المصريين، كما وافقت مصر على قرار الأمم المتحدة بوجود قوات الطوارئ الدولية على الحدود الفاصلة بين مصر وإسرائيل وانسحاب القوات البريطانية والفرنسية من بورسعيد فى 23 ديسمبر 1956. ثم انسحاب إسرائيل من سيناء و6 مارس 1957 إلى ما وراء خط هدنة 1949 وحققت مصر انتصارا سياسيا بفل العدوان فى تحقيق أهدافه.
هذا النصر الذى ساهم فى قدرة مصر على المواجهة أصبح مستهدفا من إسرائيل ولهذا تعرض الجيش المصرى لنكسة 5 يونيو 1967 بعد أن وردت معلومات للقادة بأن إسرائيل تقوم بتحركات تجاه سوريا فصدرت الأوامر بوضع الجيش المصرى تحت أهبة الاستعداد نتيجة الحشود الإسرائيلية الكثيفة على الحدود مع سوريا، كما أعلنت مصر إغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية المتجهة إلى إيلات.
وفى فجر 5 يونيو 1967 قام الطيران الإسرائيلى بهجوم مباغت على جميع المطارات المصرية مما أدى إلى تدمير معظمها وتعطل الباقى عن العمل واستمرت المعركة طوال ستة أيام حتى 10 يونيو لتنتهى مرحلة أخرى من مراحل الصراع العربى الإسرائيلى بقبول مصر لوقف إطلاق النار مؤقتا ولتبدأ مرحلة جديدة من الصراع بعد أن استوعب الجميع الأخطاء التى أدت إلى هذه النكسة ولكنها لم تستطع أن تنال من معنويات الجيش المصرى الذى تجاوز المحنة والذى يعمل تحت شعار النصر أو الشهادة هذا الجيش الذى رفض الاعتراف بهزيمة 1967، ولم تمض الأيام حتى شن العديد من الغارات والضربات والعمليات الموجهة ضد العدو معلنا أن مصر لا يمكن أن تركع.
ثم كان الرد الذى أذهل الدنيا بنصر عسكرى صنعه الإنسان المصرى تخطيطا وتنفيذا، لقد اتخذ الجيش المصرى من هزيمة 67 حافزا لتحقيق نصر 6 أكتوبر 1973، لم يكن نصر أكتوبر حدثا عابرا فى حياة المصريين بل كان نصرا أعاد الحياة لأمة بأكملها بعد أن تعرضت لنكسة، لقد كانت حرب أكتوبر تحريرا للإرادة المصرية وشهادة خالدة للقوت المسلحة، فالجيش المصرى عظيما يليق بقيمة ومكانة خير أجناد الأرض.. وتبقى حقيقة واحدة لا يمكن النيل منها حتى بعد مرور الزمن وهى أن القوات المسلحة هى قلب مصر ويدها لحماية السلام والأمن القومى وهى قادرة على ذلك بقياداته ورجالها.
فى ذكرى انتصارات أكتوبر..
الجيش المصرى تاريخ حافل بالبطولات عبر الزمن.. القوات المسلحة من أقدم الجيوش النظامية فى العالم.. وأثبتت ولاءها للشعب فى القرارات المصيرية.. وتقود أكبر الحروب بعد نصر 1973 ضد الإرهاب الأسود فى سيناء
الإثنين، 30 سبتمبر 2013 06:53 م
أرشيفية