كشفت دراسة علمية أن المؤسسة العسكرية المصرية لم تكن بمقدورها أن تتخذ خيارا بخلاف التخلى عن ولائها التنظيمى لنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وتقرر مساندة رغبة الشعب المصرى فى إسقاطه إبان ثورة 25 يناير.
وأكدت الدراسة التى أعدها الباحث حسين شمردل تحت إشراف الدكتور حسن الخولى أستاذ علم الاجتماع العسكرى بمعهد البحوث والدراسات العربية، لاجتياز درجة دبلوم الدراسات العليا فى علم الاجتماع، أن تراث المؤسسة العسكرية المصرية كان يحتم عليها أن تختار الانحياز لمطالب المصريين نظرا لطبيعة البناء التنظيمى للجيش والتكوين الاجتماعى للقيادة العسكرية التى تنتمى إلى الطبقة الوسطى، فضلا عما يفرضه نظام التجنيد الإجبارى فى الجيش الذى يعيق إمكانية اتخاذ قرار بالمواجهة مع الجماهير نظرا للصلات الاجتماعية بين المجندين وباقى جموع الشعب.
واستعرضت الدراسة التى حملت عنوان "دور المؤسسة العسكرية فى ثورة 25 يناير" ملامح وأشكال التدخل للمؤسسة العسكرية فى الحياة المدنية منذ تأسيس الجيش الحديث فى عصر محمد على، ونوهت إلى أن اتجاه محمد على للاستعانة بالمصريين فى الجيش جاء بعد فشل تجربة الاستعانة بالأتراك والسودانيين، وكان نجاح الجيش بتكوينه الجديد فى تحقيق انتصارات مبهرة خلال حروب الحجاز واليونان والشام سببا فى سرعة ترقى المصريين إلى المراتب القيادية من ناحية وشدة ارتباطهم بقضايا الوطن وتاريخه العريق من ناحية أخرى، وهو ما تجلى بعد ذلك فى حركة عرابى 1882 والتى عبرت عن مطالب وطنية عامة تمثلت فى الكرامة والحرية ورفض التدخل الأجنبى، وأسست بذلك لدور ممتد للعسكرية المصرية فى قيادة الطموحات الشعبية حتى ثورة 30 يونيه 2014.
وكشفت الدراسة أن المؤسسة العسكرية لم تكن بعيدة عن ثورة 1919 كما يتردد، وأن كبار القادة كانوا يدعمون تحركات الثوار إلا أن سيطرة العناصر الإنجليزية على القيادة فى الجيش حال دون تحول هذا الموقف إلى تحرك على الأرض، وعندما أتيحت الفرصة للتخلص من هذه العناصر لم تتردد المؤسسة العسكرية فى استعادة دورها الوطنى والتدخل المباشر لتحقيق طموحات المصريين نحو الحرية والكرامة على غرار ما حدث فى عام 1952.
وتطرق الباحث إلى موقف المؤسسة العسكرية عام 1977 عندما رفض الجيش تنفيذ أوامر الرئيس الراحل محمد أنور السادات بالتدخل لاستعادة الأمن والنظام فيما عُرف بانتفاضة الخبز، إلا بعد تلبية طلبات المحتجين بالتراجع عن قرار رفع أسعار الخبز والطاقة.
وأشار إلى أن هذا الموقف الوطنى تكرر فى أحداث الأمن المركزى عام 1986 عندما وافق الجيش بقيادة المشير عبد الحليم أبو غزالة على تنفيذ أوامر الرئيس حسنى مبارك بالتدخل ضد المحتجين من جنود الأمن المركزى شريطة الإعلان عن تلبية مطالبهم بتحسين الأوضاع المعيشية والالتزام بعدم مد فترة التجنيد إلى خمس سنوات.
وحول موقف المؤسسة العسكرية من ثورة 25 يناير، رصد الباحث مراحل التدخل بداية من نزول الدبابات الذى رفع عليها الثوار عبارة يسقط مبارك مرورا بتعالى هتاف "الجيش والشعب إيد واحدة" من جانب الثوار، مؤكدًا أن موقف الجيش انسجم مع تراثه التاريخى.
وتطرق إلى إعلان المؤسسة العسكرية البيان الأول قبل التنحى بيوم والذى حسم الموقف بالانحياز للشعب بعد أن استقر الرأى داخل القيادة العسكرية على أنها ثورة شعبية حقيقية، وأن التدخل المباشر ضد نظام مبارك أصبح واجبا للحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية واستقرار الوطن من ناحية وأرواح المواطنين من ناحية أخرى.
وعزا الباحث تحولات القيادة العسكرية إلى عدة أسباب منها معالجة السلطة السياسية للموقف التى بدأت بالتجاهل لمطالب المتظاهرين، ثم تقديم تنازلات متدرجة بلغت مداها فى إعلان مبارك اعتزال الحياة السياسية بعد انتهاء مدة حكمه والتخلى عن مشروع التوريث، فضلا عن صمود المتظاهرين وشكوك القيادة العسكرية فى التزام نظام مبارك بتعهداته عقب محاولة اغتيال النائب عمر سليمان.
تضمنت الدراسة أيضا تحليلا لثورات المصريين الشعبية فى التاريخ الحديث بداية من ثورة القاهرة الأولى وثورة القاهرة الثانية ضد الاحتلال الفرنسى لمصر وثورة 1805 بقيادة عمر مكرم ضد الاحتلال التركى مرورا بثورة 1919 ضد الاحتلال البريطانى حتى ثورة 25 يناير التى وصفها بدرة الثورات المصرية وأول ثورة شعبية ناجحة ضد نظام سياسى يتولاه حاكم مصرى فى التاريخ الحديث.
يذكر أن الباحث حسين شمردل ناشط سياسى ويعد أول مصاب فى ثورة 25 يناير، وله عدد من الدراسات حول المجتمع المصرى وتطوره.
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو شاكر
برافو
نشكرك تسلم ايدك