برغم كل ما يقال عن مهام عاجلة للإصلاح التشريعى.. ما زلت متأكداً - من واقع متابعة ما ينشر عن أفكار واتجاهات - أن تلك اللجان لم تتبين حتى الآن معالم الطريق الرئيسى الصحيح، وما زالوا يخوضون فى الطرق الفرعية، وبحث وتمحيص الجزئيات لا الكليات وهى الأهم.
أرى أنه من الخطأ وبمثابة وضع العربة أمام الحصان، أن يكون البحث والشغل الشاغل حول تحسين مناخ الاستثمار موضوعه الرئيسى، كما تطالعنا الأخبار - تشريعات خاصة من نحو قوانين الاستثمار أو إفلاس الشركات... فهذه جزئيات تعالج القشور وليس الجوهر.
كان على تلك اللجان أن تبحث عن إجابة للأسئلة المريرة التى تقفز إلى بيت الداء الحقيقى لا الأعراض الهامشية.
لماذا يوجد فى مصر ملايين الوحدات السكنية (تكلفت مليارات الجنيهات العاطلة) مغلقة برغم جاهزيتها للسكن؟... لماذا يفضل صاحبها أن يحتفظ بها مغلقة سنوات طوال حتى يسكنها ابنه الطفل بعد عشرين عام؟؟ ويمتنع عن استغلالها بتأجيرها؟ ... لماذا تحول الشيك من أداة وفاء إلى أداة ائتمان؟؟؟
طرح هذه التساؤلات والإجابة عليها هى على ما يبدو فريضة ما زالت غائبة عن أذهان صناع القرار فى هذه الدولة.
الإجابة الصادمة هى: انعدام الثقة فى المعاملات بين الناس فى هذه الدولة.. والسبب طبعاً هو عدم كفالة النظام التشريعى والقضائى والتنفيذى الحماية القانونية الصارمة والسريعة والناجزة وغير المكلفة أو المرهقة، للحقوق عند التنازع.
حل المشكلة، برغم خطورتها الكارثية، أبسط من البساطة ويمكن تلخيصه فى جملة واحدة هى.. كيف نفرض على جميع أفراد المجتمع ثقافة احترام حقوق الغير واحترام الالتزامات ؟؟... الإجابة هى: نقطة البدء هى وجود نظام تشريعى جاد يقوم على فلسفة التزام الدولة – قبل صاحب الحق الثابت بحكم قضائى- بالمعاونة الجادة بكافة إمكاناتها وسلطاتها- فى ملاحقة المحكوم عليه، وجعل تكلفة التهرب باهظة – فى حال التقاعس - وأعلى بكثير من المبادرة إلى التنفيذ طوعاً.
هنا، الحل أيضاً يبدأ بعبارة واحدة هى اعتبار المتقاعس عن تنفيذ الحكم فى حالة (إفلاس) وما يترتب على تقرير هذه الحالة –على الأخص- من على يد المدين المتقاعس عن إدارة أمواله.. وأن يتم استحداث نظام معلوماتى لبيانات السجل المدنى يتضمن قائمة سوداء – كما هو المعمول به بين البنوك فى مجال الائتمان – يترتب عليه أن الموضوع داخل هذه القائمة السوداء يكون غير مسموح له بإجراء أى معاملة مدنية من بيع أو شراء او خلافه دون رقابة المحكمة.. هذا الثمن الفادح للتلاعب والعدوان على العقول سيجعل كل متلاعب أكال لحقوق المتهرب من تنفيذ التزاماته يهرول إلى صاحب الحق ليؤدى له حقه لإنقاذ رقبته من هذا المصير..
لو نفذنا هذا الإجراء كبداية يمكننا حينها – مع احترامنا للجميع - أن نتحدث عن تحسين لمناخ الاستثمار والأعمال وليس قبل ذلك.
هشام المهندس يكتب: الفريضة الغائبة.. حماية الثقة فى المعاملات
الأربعاء، 22 أكتوبر 2014 12:05 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة