منذ الوهلة الأولى لوصوله إلى منصب الكاهن الأعظم للكنيسة الكاثوليكية، بدا البابا فرانسيس مختلفا عن سابقيه، وكان هناك ما يدعم تلك الفكرة كونه أول بابا يسوعى للكنيسة فى تاريخها، واستطاع أن يسلط الأضواء عليه بمواقفه وأفكاره غير التقليدية وغير المعتادة من رجل فى مثل منصبه.
وبمرور الوقت تجلت رؤية معاصرة مختلفة للفاتيكان تحت قيادة فرانسيس رغم وجود أصوات قوية معارضة، لكن تغير موقف الكنيسة ولو جزئيا من بعض القضايا الشائكة الأكثر إثارة فى العالم اليوم، مثل زواج الشواذ أو من يطلق عليهم "المثليين جنسيًا" يوحى ليس فقط باختلاف ولكن ما يشبه الانقلاب على الأفكار الراسخة منذ قرون داخل أروقة الفاتيكان.
فخلال الأسابيع الماضية أثيرت ضجة هائلة بسبب دعوة كبار المطارنة المشاركين فى قمة الفاتيكان حول قضايا الأسرة إلى ضرورة اتخاذ الكنيسة الكاثوليكية مواقف "أكثر إيجابية" تجاه المثليين.
وجاء فى التقرير الأولى للمطارنة خلال القمة التى تسمى "سينودس" بأن "المثليين يتمتعون بهبات ومميزات يمكن أن يقدموها للمجتمع".
ولم يتطرق التقرير إلى المعارضة الموجودة منذ زمن بعيد تجاه الزواج بين المثليين.
وذهب التقرير إلى القول: "دون إنكار المشكلات الأخلاقية المتصلة بالروابط بين المثليين جنسيا، يجب الإشارة إلى أن هناك حالات يبلغ فيها العون المتبادل حد التضحية وتنطوى على مساندة فى حياة الشركاء فى علاقة الارتباط بين المثليين جنسيا".
بينما اعتبر المدافعون عن حقوق المثليين أن التقرير يحمل إنجازا فى موقف الكنيسة، رأى المعارضون أنه خيانة، بل ووصفته إحدى المنظمات الكاثوليكية المحافظة بأنه واحد من أسوأ التقارير الرسمية صياغة فى تاريخ الكنيسة.
ويعكس هذا الانقسام الشديد صورة مماثلة من داخل الكنيسة، وهو ما جعل القمة الكنسية تفشل فى التوصل إلى اتفاق جماعى فى الرأى بشأن معاملة مثليى الجنس وزواج المطلقين والمطلقات مرة أخرى، حيث إن التقرير النهائى للقمة التى استمرت على مدار أسبوعين انتهى دون تغير فى الموقف من المثلية الجنسية.
لكن هذا لا يعنى غلق هذا الملف، حيث يبدو أن البابا فرانسيس يستجيب للتغيير فى الاتجاهات بين عموم المسيحيين الكاثوليك.
وبعد إجراء استطلاع للرأى العام الماضى حول هذه القضية، رجحت النتائج أن أغلبية الكاثوليك يرفضون تعاليم الكنيسة فيما يتعلق بقضايا مثل الجنس ومنع الحمل.
وتوقعت هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" إن الكنيسة الكاثوليكية كأحد أعرق المؤسسات الدينية فى العالم لن تتعجل فى تغيير تعاليمها، ولا ينبغى أن يتوقع أحد نتائج سريعة من الاجتماع الكنسى الأخير.
أما البابا فرانسيس، فقال بعد تلك القمة إنه يتعين على الكنيسة ألا تخشى التغيير والتحديات الكبيرة، وأضاف فى عظة ألقاها أمام 70 ألف شخص فى أعقاب القمة الأخيرة أن عليها أن تستجيب بشجاعة للتحديات الجديدة التى تقف فى طريقها.
كانت محاولات البابا فرانسيس للتمهيد لتغير موقف الكنيسة من المثليين بدأت قبل عام، عندما قال ردا على سؤال حول المثليين "من أكون أنا لأحكم عليهم"، وتسبب هذا الرد فى حالة من الصدمة لأن الكنيسة الكاثوليكية ظلت لألفى عام تندد بالمثلية الجنسية حتى إن البابا السابق بنديكت السادس عشر اعتبرها من أخطر القضايا فى تلك المرحلة.
قالت "رويترز" إن فترة شهر العسل للبابا فرانسيس قد انتهت على ما يبدو بعدما حاز على الإشادة من كافة أنحاء العالم لأسلوبه الجديد المنفتح، لافتة إلى وجود أقلية محافظة داخل الكنيسة ترفض الإصلاحات التى يرغب فيها.
وعلق ماسيومو فاجيولى، مؤرخ الكنيسى بجامعة سانت توماس بولاية مينسوتا الأمريكية، على ذلك قائلا إن هناك ثقافات كاثوليكية مختلفة تظهر، والرهان الأكبر للبابا فرانسيس خلال الشهور المقبلة سيكون كيقية إبقائها متحدة، فسيكون التحدث لجميع الكاثوليكيين أكثر صعوبة بالنسبة له، كما أن بعض المحافظين الذين يشعرون بالحنين لنهج بنديكت السادس عشر ويوحنا بولس الثانى يعتقدون أنه ينبغى أن يرحل الآن.
وتابعت "رويترز" قائلة إن فرانسيس، اليسوعى الذى لا يخشى النقاش الصريح، قد تسبب فى صدام فى الآراء لم تشهده الكنيسة منذ المجلس الإصلاحى الثانى للفاتسكان بين عامى 1962 و1965.
وبدلا من أن يفرض أفكاره بحكم منصبه كبابا، اختار الطريق الصعب للإصلاح من خلال السماح لأساقفته بالحديث بحرية عن التعاليم الكاثوليكية حول الجنس، وسيكون التحدى إيجاد توافق بين أغلب الغربيين المنفتحين على التغيير فى نمط الحياة، والتقليديين الأقوياء فى أفريقيا حيث تنمو الكنيسة ويرون أن المثلية الجنسية من المحرمات.
أما عن القضايا الأخرى الخاصة بالعائلة كالإجهاض، فعُرف عن البابا فرانسيس أنه معارض له، ووصف من قبل الإجهاض بأنه مروع، وقال فى خطاب له فى يناير الماضى إنه "من المفزع أن هناك أطفالا، ضحايا للإجهاض، لن يكتب لهم الحياة.. ومع الأسف ما يرمى ليس بطعام أو أشياء يمكن استبدالها، ولكن البشر أنفسهم الذين يتم التخلص منهم على أنهم غير ضروريين"، وكان قلقا ساد الكنيسة لأن البابا ومنذ أن أصبح الحبر الأعظم فى مارس 2013 لم يهاجم الإجهاض بالصورة المطلوبة.
لكن فرانسيس ، الأرجنتينى، لم يكن أبدا مؤيدا للإجهاض والقتل الرحيم، ووصفها عام 2007 بأنها جرائم نكراء، واعتبر أن الحركة المؤيدة للإجهاض تروج لثقافة الموت، كما كان يعارض توزيع وسائل منع الحمل مجانا فى بلاده.
وبرغم ذلك لا يريد البابا أن يصرف أتباع الكنيسة عنها، وقال فى حوار حول قضايا الطلاق والإجهاض واستخدام وسائل منع الحمل، إن الكهنة لا يمكنهم الإصرار والإلحاح على هذه الموضوعات دون الأخذ فى الاعتبار الظروف التى تضطر الإنسان لذلك
وتابع قائلا: لا يجب أن يقوم كاهن بالضغط النفسى على سيدة كلما دخلت الكنيسة، لأنها نفذت بالإجهاض ذات مرة، يجب تجاوز هذا والتفاعل مع الاحتياجات الروحية للأفراد بشكل متجدد، وليس التوقف عن لحظة معينة أو خطأ قديم.
أخبار متعلقة
بابا الفاتيكان: الأحداث فى سوريا والعراق "مقلقة للغاية"
بالصور.. بابا الفاتيكان يخلع قبعته البابوية ويستبدلها بأخرى "بيسبول"
البابا فرانسيس يقود انقلابًا داخل الفاتيكان ضد المواقف التقليدية للكنيسة.. طالب المجتمع بأن يتقبل المثليين جنسيًا.. ورفض نبذ أنصار عمليات الإجهاض رغم رفضه له ودعا للتفاعل معهم
الجمعة، 24 أكتوبر 2014 05:34 م
فرانسيس بابا الفاتيكان