خلاصة القضية توجز فى عبارة
لقد لبسنا قشرة الحضارة
والروح جاهلية
إنه نزار قبانى (1923- 1998) يصرخ فى وجه الأمة العربية بعد هزيمة 1967 بقصيدة "هوامش على دفتر النكسة"، لكن صرخته لم تمر مرور الكرام، بل أثارت ضجة كبيرة كان منها ما يتعلق بحرية التعبير ، ومنها ما يتعلق بإلقاء حجر يكفى لاهتزاز المياه الراكدة، ومنها ما يتعلق بطريقة تفكير الشاعر نفسه.
كان لنزار قبانى مفهومه عن الشعر، حيث يعتمد على التواصل مع الجمهور، وقد ترك ذلك أثره على كلماته وصوره الشعرية، وقصائده الغزلية، مما دفع "مجلس النواب السورى" لأن يعقد جلسة خاصة لمناقشة ديوانه الأول "قالت لى السمراء" 1944.
وعرف نزار قبانى بغزلياته الشهيرة، خاصة بعد أن غنى له كبار المطربين مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز ونجاة وكاظم الساهر ولطيفة، لكن هناك جانبا آخر لنزار هو جانب الكتابة السياسية فى الشعر والنثر، وتقوم فكرته على مهاجمة الثوابت العربية الجامدة التى لم تتغير مع الزمن وطرق التفكير الخاطئة التى كانت مسيطرة على الشعوب، لذا كتب قصيدة "هوامش على دفتر النكسة" والتى شكلت نقطة تحول فى كتابة الشاعر من التركيز التام فى الغزل والحب إلى السياسة والهموم العامة والتى يبدأها بقوله:
أنعى لكم، يا أصدقائى، اللغة القديمة/ والكتب القديمة/ أنعى لكم.. كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمة/ ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمة/ أنعى لكم.. أنعى لكم / نهاية الفكر الذى قاد إلى الهزيمة
كتب نزار قبانى هذه القصيدة بعد الهزيمة بعد أن عاش العالم العربى مرحلة ما يمكن أن نطلق عليها "الغرور" وربما "الوهم"، ثم حدثت المصيبة الكبرى باحتلال سيناء والجولان واتساع بقعة الاحتلال فى فلسطين وقبل كل ذلك هزيمة الكرامة العربية، وعلى إثر هذه القصيدة تم منعه من دخول مصر وتوقفت الإذاعة عن بث أشعاره وأغانيه، فما كان من الشاعر إلا أن بعث برسالة للرئيس جمال عبد الناصر نصها:
"سيادة الرئيس.. إذا كانت صرختى حادة وجارحة، وأنا اعترف سلفا بأنها كذلك، فلأن الصرخة تكون بحجم الطعنة، ولأن النزيف يكون بمساحة الجرح. من منا يا سيادة الرئيس لم يصرخ بعد 5 حزيران؟
من منا لم يخدش السماء بأظافره؟ وماذا تكون قيمة الأديب يوم يجبن عن مواجهة الحياة بوجهها الأبيض والأسود معا؟ ومن يكون الشاعر يوم يتحول إلى مهرج يمسح أذيال المجتمع وينافق له؟ لذلك أوجعنى يا سيادة الرئيس أن تمنع قصيدتى من دخول مصر، وأن يفرض حصار رسمى على اسمى وشعرى فى إذاعة الجمهورية العربية المتحدة وصحافتها... القضية ليست قضية مصادرة شاعر، القضية هى أن يسقط أى شاعر تحت حوافر الفكر الغوغائى لأنه تفوه بالحقيقة. لا أطالب يا سيادة الرئيس إلا بحرية الحوار، فأنا أُشتم فى مصر ولا أحد يعرف لماذا أشتم وأنا أطعن بوطنيتى وكرامتى لأننى كتبت قصيدة، ولا أحد قرأ حرفا من هذه القصيدة. يا سيدى الرئيس لا أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزفه... لا أصدق أن يحدث هذا فى عصرك.
"بيروت 30 تشرين الأول 1967
التوقيع: نزار قبانى"
وبناء عليه قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بفض هذا الحصار الذى كان مفروضا على نزار قبانى وقصائده، وغنت له أم كلثوم قصيدة "أصبح عندى الآن بندقية" عام 1969 والتى كتبها نزار فى عام 1968 لصالح القضية الفلسطينية.