هذه ليست مجاملة أو منحة منى لأبناء صعيد مصر أن أمتدحهم فى مقال عابر، بل هى عين الحقيقة، فصعيد مصر كان ومازال مصنع الرجال عن واقع وحقيقة واضحة وضوح الشمس فى كبد السماء
صعيد مصر الذى اتخذه البعض للترفيه والتسلية، حيث نسبوا له معظم النكات المضحكة والنوادر التى لا يخلو منها مجلس، لأنهم وببساطة لا يعرفون صعيد مصر، ولم يبحثوا فى مواصفات أبناء الأصول.
فأهل صعيد مصر يا سادة هم بناة هذا الوطن الحقيقيون فهم أهل الصبر والجلد وتحمل الصعاب والاغتراب من أجل لقمة عيش (بالحلال)، فقليلا ما تجد متسولا من أهل الصعيد فهو صاحب النفس العزيزة والهمة العالية.
وأبناء الصعيد أثناء خدمتهم الوطنية هم حماة الثغور وحراس الحدود فوطنيتهم لا تنافس وصبرهم لا يضاهى وشدة انتمائهم لتراب الوطن لا ينافسهم فيه أحد، فهم العين الساهرة على حدودها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، فهم من يتحملون الصعاب وقسوة المكان النائى.
قد تستوقفنى بسؤالك عزيزى القارئ (ما كل هذا الوصف وما العائد من ورائه؟ أقول لك عزيزى القارئ سبب كتابتى لكل ما سبق من كلمات الثناء والمدح المستحق. فقد أكرمنى ربى بحبى للسفر والترحال واكتشاف كل ما هو جديد، بالإضافة إلى محاولة تسجيل ملاحظاتى البسيطة فقد يأتى اليوم الذى أتمكن فيه من كتابة تلك التجربة فى كتيب أصف فيه وعلى الطبيعة (وبلا أدنى مجاملة لأحد) كل ما شاهدته وعاصرته لأشارك ولو بالقليل فى التراث الإنسانى المصرى العظيم.
ونعود بحديثنا عن صعيد مصر، وهنا لن أستطيع أن أجمع لك عزيزى القارئ كل مواصفات صعيد مصر ومناقب أبنائه، ولكن فلتكن لنا إطلالة بسيطة على بعض ما شاهدت، وعاصرت من صور بسيطة، ولكنها رسائل قوية لمن أراد أن يفهمها.
فقد سنحت لى الظروف أن أسافر إلى الصعيد فى بداية ثورة يناير 2011 المجيدة، وبالتأكيد تعرف أيها القارئ الواعى ما أصاب عصب الحياة فى مصر من انفلات أخلاقى تفوق على الانفلات الأمنى، وعاصرنا جميعا خوفنا على أموالنا بل وأرواحنا بل ونصحنى البعض أنه ليس هذا هو الوقت المناسب للسفر إلى صعيد مصر، ولكننى أصررت وعزمت على السفر فى تلك الظروف الصعبة (وحسنا فعلت) فقد تأكد لى أن صعيد مصر هو من يحمل (صك الأصول).
فلقد كانت محطتى الرئيسية فى محافظة قنا، أى أننى قد مرر على عدة محافظات من محافظات الصعيد، واستقر بى المقام فى قنا، حيث تجمع فيها أبناء الأصول من عرب وأشراف وهوارة، ولا أقصد من التعديد هنا إلا تركيزى على كيفية تحكم الأصول فى المشهد، حيث لقائى بذاك الشيخ الكبير من كلاحين الحاجر الذى يجيب عن تساؤلى بكلمات بسيطة تحمل معان كبيرة، فعندما سألته (لماذا أيها العم طايع لا أجد انفلاتا أمنيا فى الصعيد؟ فيقول فى كلمات هى أقرب لثقل الأهرامات (الأصل يستحى يا ولدى) ما أعظم كلماتك أيها الشيخ الذى تتحدث بفطرتك، وعلى سجيتك فقد اختصرت القول أما الوصف، فمعناه أن تلك البلاد تتألف من قبائل وعائلات يعرف بعضها بعضا، فنسبة التسيب والخطأ منعدمة لأن هناك أناسا يعيشون فى هذا المكان (تستحى العيبة)، فعندما يقدم أحدهم على فعل الخطأ تحادثه نفسه (أنا فلان وأبى فلان وعمى فلان وجدى فلان فيستحى من صنع الخطأ حتى لا يجلب لنفسه وأسرته وقبيلته العار)، هكذا قصد العم (طايع) عندما قال (الأصل يستحى).
قد أكون تطرقت لإشراقة بسيطة من إضاءات كثيرة يجب التركيز عليها فى صعيد مصر، ولكنها تحمل فى طياتها العديد من المعانى النبيلة، فلن يكفى مجرد مقال لأعدد ما يحويه مصنع الرجال (أقصد صعيد مصر) من مفاخر لأهل ذاك المكان المفعم بعبق التاريخ والتراث الإنسانى المشرف.
ورقة وقلم - صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء سليم
الاصل يستحى ياولدى