ما إن يقف الفنان السورى الكبير صباح فخرى، على خشبة المسرح الغنائى، حتى تتعالى صيحات الإعجاب وتنطلق زغاريد النساء، فى حالة هيام وانسجام، مع نغمات الموسيقا وهو يشدو بصوته العذب القوى: «إن كنت هويت ونسيتنى.. وعلىَ جنيت ما راعتنى.. ابعتلى جواب.. ابعتلى جواب وطمنى»، حيث يعد صباح فخرى واحدا من أهم مطربى الشرق، إذ دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسيةا بعد أن غنى فى مدينة «كاراكاس» بفنزويلا لمدة 10 ساعات متواصلة عام 1968، طاف حول العالم، وقدم حفلات غنائية اعتمد من خلالها على نشر غناء الموشحات والقصائد، وتعمق فى التراث الغنائى العربى، إضافة إلى احترافه فن الرقص، وخاصة رقصة «السنبلة» و«رقصة السماح» التى كان يقوم بها أثناء الغناء.
صباح فخرى الفنان الملقب بأسطورة المسرح الغنائى، تحدث لـ«اليوم السابع» عن فنه وموشحاته وتاريخه، وعلاقته بعمالقة الفن المصرى محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، قائلاً: «منذ أن دخلت عالم الموسيقا والغناء، وأنا أحمل فى قلبى ونصب عينى تراث العرب، وربما يرجع ذلك لكونى تتلمذت على أيدى كبار الموسيقيين السوريين أمثال الشيخ على الدرويش والشيخ عمر البطش، ومجدى العقيلى، وإبراهيم الدرويش ومحمد رجب وعزيز غنّام، وتغنيت بأشعار الكبار أمثال أبوالطيب المتنبى، وأبى فراس الحمدانى، والشاعر ابن زيدون، وابن الفارض، وغيرهم، وأيام الصبا كنت أستطيع الغناء والرقص على المسرح لفترات طويلة، وقد قمت بالغناء لعشر ساعات متواصلة وأكثر فى السابق، ودخلت موسوعة (جينيس) للأرقام القياسية، وإلى الآن بفضل الله مازلت قادرا على العطاء الفنى»، ويضيف: «سجلت 162 موشحا من الموشحات التراثية تحت عنوان (نغم الأمس) بجانب تقديمى عددا كبيرا من النصوص التراثية العربية من مصر والعراق وسوريا بكل أشكالها الغنائية، ووصل عدد النصوص التى تغنيت بها إلى 1500 نص غنائى، واستطعت اتقان تقديم تلك النصوص الصعبة بسبب قراءتى للقرآن الكريم، وحبى للطريقة الصوفية والتى ارتبطت بها من خلال عدد من الزوايا فى مسقط رأسى بحلب فى سوريا، واعتبر نفسى ناقلا للتراث، ومدرسة لكل من يريد الغناء من التراث العربى الأصيل».
وحول أزمة سوريا قال الفنان الكبير «أرفض الحديث سياسيا عن سوريا»، وأمنياتى فى الحياة أن أرى ولدى أنس فى قمة الطرب والفن الأصيل، ويعلق على موجة الأغانى الجديدة بقوله: «ماليش دعوة بأغانى اليومين دول، وأنا لست صاحب الرأى فى هذه الأغنيات، لكن الفن مستمر وموجود حاليا، وسيظل فى المستقبل».
ويكشف صباح فخرى عن مبدئه فى الحياة، بقوله: «أعطنى حبا أعطيك فنا، وربنا قال لرسوله الكريم وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، لذلك أحرص على إعطاء الجمهور كل الحب، كما منحونى إياه»، ولفت إلى أن الوفاء من أجمل الأشياء التى لابد أن يتحلى بها الإنسان قائلاً: «لقبت نفسى بصباح فخرى وفاء لفخر البارودى الذى رعى موهبتى وعرفانا بجميله».
ويخجل صباح فخرى أن يصف حب الجمهور له، رغم التصفيق الحاد الذى يحظى به، بعد أن يشدو برائعته «يا طيرة يا حلوة تعالى.. احكى له على الشغل بالى.. قولى له حبك يحلالى.. يا أسمر يا أبوالخال يكف عذابى.. أنا على دينى جننتينى»، ويقول: «الجمهور هو الذى يحكم علىّ، وأنا أقتدى دائما بقول الشاعر نحن سكوتُ والهوى يتكلمُ، ولكم أشعلت الليالى بالأغنيات الطربية الصادقة، التى يميل لها الجمهور العربى وليس السورى فقط».
ويهوى النجم العربى الكبير الحديث عن أغانى التراث وتأثيرها فى الوجدان، حيث يقول: «مدينة حلب مليئة بالتراث الغنى والثمين، وكان واجبا علينا أن نحافظ على تراث حلب»، موضحا «أنه اضطر لتعديل أشياء بسيطة فى بعض الكلمات ليتماشى النص فى سياق الألحان، مع الحفاظ على روح التراث بإضافة روح العصر دون الإنقاص من قيمة العمل».
ويحكى المطرب السورى الكبير عن ارتباطه بمهرجان الموسيقى العربية قائلاً: «تعرفت على المهرجان من خلال الراحلة رتيبة الحفنى، وقدمت العديد من الحفلات الغنائية الناجحة بالمهرجان»، ويصف صباح فخرى حفلاته فى القاهرة بقوله: «كل حفلة كانت أحلى من الثانية»، مضيفا: «الشعب المصرى يعشق الفن ويقدره ويحبه، وكان يحضر خصيصا لسماعى، ودائما يقولون ما يقدمه صباح فخرى هو الفن الحقيقى»، وحول استقباله الحافل من قبل الجمهور بمهرجان الموسيقا العربية يقول: «دائما القاهرة منورة بالمصريين وبفنها وبأهلها، وحب الجمهور ليس كمثله حب».
وعن ذكرياته مع كبار المطربين يقول «النجمة صباح لها مكانة خاصة عندى، وأحمل لها كل الحب والمشاعر الطيبة النبيلة، وأرتبط بصداقة قوية مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وكان عندما يأتى إلى سوريا كل صيف، يجلس فى فندق ونتقابل بشكل يومى، وكان عبدالوهاب يعشق القرصية السورية ويحب تناولها بعد العشاء، وكنت أحضرها له»، ويضيف فخرى: «مصر فقدت أحد أهراماتها برحيل محمد عبدالوهاب»، مؤكدا «أنه كان هرما فنيا فى مصر، وله طابع موسيقى وغنائى فريد ومميز»، واستطرد: «هناك أشياء منتهى فيها الكلام مثل الحديث عن عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم فهؤلاء نجوم كبيرة فى سماء الفن ما يقدر أحد يعطيهم حقهم».
وبسؤاله عن موسيقار الأزمان فريد الأطرش يقول صباح فخرى: «إن موسيقار الأجيال عبدالوهاب، قال إن ثلاثة أرباع من ألحانه تزن ربع ألحان فريد الأطرش»، وأضاف: «فريد هرم كبير يقف على قمة الهرم الغنائى بجوار عبدالحليم وعبدالوهاب وأم كلثوم»، ولا ينسى صباح فخرى ذكرياته مع الموسيقار والفنان الكبير سيد مكاوى ويتحدث عنه ضاحكا: «مكاوى صديقى وحبيبى وكان دائم الزيارة عندى فى البيت بسوريا، وبيننا ود كبير وطعام وعشرة طيبة»، مترحما عليهم بقوله «الله يرحمهم بقدر ما أسعدونا وأكثر»، ويتذكر صديق عمره وديع الصافى، ويقول عنه: «بكيت بعد رحيله، وهذا الرجل أعطى عمره كله لفنه وشعبه وظل معطاء طول حياته وبرحيله فقدنا هرما فنيا كبيرا».
وعن متابعته البرامج الفنية لاكتشاف المواهب يقول: «أحيانا بتابع بعضها، لكن نصيحتى للشباب أن يهتموا بالتراث العربى وهذا أهم شىء، وأن يستمعوا لأغان جيدة، ليستطيعوا العطاء وإثبات ذاتهم من خلال سلكهم للطريق الغنائى المتكامل».
صباح فخرى مع الزميلين العباس السكرى وعلى الكشوطى
صباح فخرى
صباح فخرى المطرب السورى الكبير
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة