لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن
أعطونا الأحذية وأخذوا الطرقات
فى النصف الثانى من القرن العشرين، بدأ الوطن العربى فى التحرر من سيطرة الدول الاستعمارية الخارجية، حينها كانت أحلام المثقفين الشباب تحلق مع السحاب، فأخيرا سوف يتحقق ما هتفوا من أجله كثيرا (الحرية والعدالة الاجتماعية)، لكن الأمنيات لا تأتى دائما كما أراد لها أصحابها، بل تأتى مشوهة، لذا فقد وجد المثقفون نوعا آخر من القهر والكبت والديكتاتورية والمصادرة لكن بملامح وطنية.
أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد
هذا النظام الجديد الذى حكم العالم العربى أنتج فى المقابل جيلا من الشعراء الذين تكسرت أحلامهم على صخور الديكتاتورية، ومنهم الشاعر الكبير محمد الماغوط 1934-2006، الذى أدرك مبكرا فلسفة هذه الأنظمة وهى (أعطونا الشكل وأخذوا الجوهر)، هكذا يقرأ الشاعر تاريخ بلداننا العربية وعلاقتها بالثورات والحركات الاحتجاجية، يدرك أن الأمر سينتهى بجعجعة وضجيج لبضعة أشخاص ليس بهم إلا سمت الثوار لكن الثورة نفسها فقد تمت مصادرتها، وهنا تلعب القصيدة دورا سياسيا مميزا،
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان
إن محمد الماغوط يدين نظاما عربيا واحدا ممتدا على طول بلاده العربية، لم يسمَ أحدا، وضمير الجماعة الذى استخدمه لم يحيلنا لشىء محدد لأنه معروف بالضرورة، فهو العاطى والمانح وفى الوقت نفسه الآخذ، هو من يدير اللعبة، وهو يكسب دائما، ونحن نخسر دائما،
أعطونا الحراس والأقفال وأخذوا الأمان
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة
كان اهتمام الماغوط بالفقراء أساسيا، لأنه جزء من هذا النظام العمالى، فقد كان والده يعمل مزارعا لا يملك شيئا، وكذلك عمل هو فترة من حياته، كما أنه عمل فى أكثر من عمل حرفى، لذا عندما يضع نفسه فى فئة العمال ليس ذلك من باب الادعاء، وعندما يدافع عن قضايا المهمشين فذلك إنما عن وعى وتجربة.