لا تسمح لها ظروف حياتها بساعة تقضيها على فراش المرض، فحسابات الوقت بالنسبة إليها لا تقبل المزاح، ساعات محددة تقضيها فى محلها الصغير لبيع الخضروات والفاكهة، تجمع قوت اليوم ومصاريف المدارس واحتياجات "العيال"، ثم تعود لمنزلها البسيط لتقصى باقى ساعاتها المحسوبة بين أطفالها، لم تشعر يوما سوى بالتفاؤل على الرغم من قسوة الظروف، ولم تضع حساباتها ليوم واحد تقضيه بعيدا عن جدول حياتها المنتظم، قبل أن يباغتها السرطان بآلامه الطاحنة التى لم تهزمها، ووضعت أماها تحدياً جديداً أعطاها فرصة أخرى للانتصار.
"أم جيهان"، سيدة مصرية تستحق لقب مقاتلة، بدأت حكياتها بألم خفيف فى الظهر، تعمدت تجاهله مرة بعد أخرى، حتى أصرت أحد بناتها على الذهاب لطبيب والتأكد من حقيقة الأمر، لتفاجأ بطلبه بمجموعة من الفحوصات التى أظهرت وجود ورم سرطانى يجب استئصاله، لم تتلق الخبر سوى بابتسامتها المعتادة، لتدخل بعدها فى صراع مع السرطان التى تمكنت "أم جيهان"، السيدة الستينية، من هزيمته بابتسامة وقلب يملؤه الرضا.
"ما حسيتش بالخوف أبدا، وربنا معايا، كنت متأكدة أنى هكمل وهعيش عشان ولادى اللى مالهمش غيرى"، هكذا تحدثت عن رحلتها مع ورم انتشر فى جسدها، ومنعته ابتسامتها من التوغل، عملية جراحية تلو الأخرى، فترة علاج طويلة، ثم تساقط شعرها وهى ما زالت متمسكة بالرضا نفسه، لم تتبدل ملامحها، ولم تفقد الصبر، ولم تتخلَ يوما عن الأمل الذى تحكى عنه لـ"اليوم السابع" قائلة: "لما الدكتور قالى هتدخلى العمليات، سلمت أمرى لله، ولما شعرى بـدأ يقع ما زعلتش، أنا عارفة إن دى خطوة فى العلاج، كنت دايما مؤمنة أن لو لى عمر باقى هكمل، وهعيشه زى ما مكتوبلى أعيشه".
رضا لا يمتلكه الكثيرون، هو ما تمتلكه أم جيهان، التى انتشرت قصتها، كحكاية تدعو للأمل، وتجعل من حولها يشعر أن مشاكل الحياة وضغوطها أقل من أن نعيرها اهتماما.. "أم جيهان" نزع الأطباء ثديها بالكامل، ثم أخضعوها لجلسات العلاج الكيميائى التى كانت تحضرها فى صبر، ثم تنطلق لفتح محلها الصغير ومباشرة عملها الذى يعطيها شعورا أنها ما زالت على قيد الحياة، وتقول "كنت بحس إنى لسه عايشة، وإنها أزمة وهتعدى".
نتائج الفحوصات بعد انتهاء العلاج الكيميائى، كانت مفاجئة للجميع، ولكنها لم تثِر دهشة "أم جيهان" التى وثقت من البداية أنها قادرة على هزيمة المرض، وهى النتائج التى جاءت بنسب شفاء لم يتوقعها أحد، ولكنها كانت على يقين من تحقيقها يوماً ما.
أما عن الجانب الإيجابى الذى خرجت به من التجربة تقول: ربنا بعتلى المرض، عشان يرجعلى إخواتى اللى كانوا مقاطعينى بقالهم سنين، والمرض خلاهم يرجعوا يسألوا عليا.
إنسانة جديدة ترى الحياة للمرة الأولى، وتبدأ حياتها من جديد بعد سن الستين، هكذا أصبحت "أم جيهان" التى لم تفقد الأمل يوما، ولم تضع للمرض حسابا وسط حياة من العزيمة وحب البقاء.
أم جيهان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة