يحكى أن أحد ملوك الماضى البعيد، أنه الملك السعيد ذو الرأى الرشيد فكان أمينًا على رعاياه، محافظًا على مملكته، وكان ذا جاه وسلطان ونفوذ يحيطه الخدم والحشم، اجتمعت كل سبل السعادة من حوله، ومع ذلك كانت سعادته ناقصة لم تكتمل بعد لشعوره الدائم بالوحدة فهو يفتقد ولى العهد، حيث إنه لم ينجب أبناءً بعد.
وهذا السبب كان كافيا ليورق ليله ويذهب سعادته ويؤجل فرحته ويعكر صفو مهجته كلما راح خياله بحنين للأبناء وكلما شاهد أحد رعاياه يسير بجوار ابنه دون عناء فياله من شعور بالحنين والحرمان، وخاصة أنه يمنى النفس دائما بمن يحمل اسمه ويرث ملكه ويواصل نسله فيحقق حلمه وفجأة ودون سابق إنذار فهذا الأمر لايحتاج من بشر قرارا، ولكنه الحليم الغفار يجعل من يشاء عقيما ويهب لمن يشاء دون انتظار فله فى شئون خلقه أسرار. فتأتى المشيئة الإلهية والبشارة القدرية، ويصل الى علمه أن جنينا يتحرك بين أحشاء زوجته ملكة البلاد، فهو الخبر السعيد والنبأ الفريد
فاليوم عيد لأنه سينال ما يريد، حيث ينتظر أميرا جديدا، فتعم الأفراح
وتأتى الليالى الملاح، فالحفاوة فى استقبال الرعايا حتى الصباح، فلا حزن بعد اليوم فى المملكة أو نواح، فالكل مستجاب الطلب بكل سعة صدر ورحب، حيث المنايا والهدايا والعطايا والهبات للصغير والكبير والفقير والوزير.. ويقترب الميعاد انتظاراً للحدث السار ويستعد الجميع، وفى لحظة اجتماع الملك بالحاشية تخترق جمعهم جارية دون خوف منها أو رهبة، لأنها بالبشارة المنتظرة أتية، فتقول فى عجل مولاى إن الأمير الصغير قد وصل وقبل أن تكمل إذا بالملك يهرول ناحية مرقد الأم والطفل، ويحمله بين ذراعيه فى شغف وينظر إليه فى لهف، وقبل أن يطلق العنان لما به من سرور وسعادة غامرة فبدا من انطباع وجهه أن شيئًا ما قد لفت نظره فاحتار فى أمره لما شاهده.
فالكل يولدون بأنف وعينين ولسان وشفتين واُذُتنين إلا هذا الرضيع كان تنقصه إحدى الأذُنين فله اُذُن واحدة، فلم تكتمل فرحته لما سيواجه هذا الصغير من سخرية فى الكبر فكيف يكون حاكما وهو محل استهزاء فانتابته حالة استهجان ففقد صوابه، ولم يمتثل لإرادة الله، وفى لحظة غضب ودون تمهل اتخذ قرارًا على عجل وأصدر فرمانًا مستبدًا، وأمر المنادى ينادى فى جميع النواحى بأن تقطع اُذُن كل طفل يولد أسوة بابن الملك ومن يخالف يعاقب أو يُنفى إلى المنفى، فامتثل الجميع للقرار بحرقة ونفذوا الأمر على غير رغبة فقطعوا آذان الصغار، ومرت ليال طوال وتبدل الحال وأصبح الأمير المعاق ملكا لشعب معاق فكل الرعايا مقطوعة أذنهم فعيبوا خلقتهم وغيروا هيأتهم وتعودوا على ملامحهم الجديدة حتى أتى من أقصى البلاد إليهم رجلُ غريب، ولكنه صحيح الهيئة والخلقا وله اُذُنان فهو يختلف عنهم فعندما شاهدوه بالنبز واللمز والغمز ذموه وبالسخرية وصفوة فاجتمع حوله الصغار مهللين من صحة هيبته، وحاصره الكبار منتقدين لجمال شكله، وهو مكتمل الخلقة، ونسوا تشويه أشكالهم وما توارثوه من آبائهم وكأنهم هم الأصحاء وهو العقيم، هكذا نحن الآن الصحيح بيننا عقيم لأننا اعتدنا العقم والصلاح هو الفساد لأننا توارثنا الفساد فانقذوا أنفسكم قبل أن يتحول إلى آفة قد لا نستطيع تغييرها فى المستقبل.
طفلا حديث الولادة