لا شك أن العالم لم يكن لديه خسارتان فى تاريخه الإنسانى أعظم من حريق مكتبة الإسكندرية وفقدان البشرية للكثير من المخطوطات العلمية والفكرية والفلسفية على يد قوات يوليوس قيصر وتدمير مكتبة بغداد على يد قوات التتار الذين رموا كتبها فى نهر الفرات لتسير عليها الخيول.
وقد كتب كثير من العلماء والمؤرخين أنه كان من الممكن لعلماء بغداد أن يصنعوا القنبلة الذرية نتيجة اكتشافاتهم العلمية فى تاريخ قبل تاريخ اكتشافها وصنعها بكثير، ولك يا سيدى القارئ بناء على ذلك أن تتخيل حجم التطور الإنسانى الذى كان من الممكن أن يصل له العالم فى الماضى البعيد ولك أن تتخيل ما كان من الممكن أن تصل له البشرية الآن إذا استمرت مكتبة بغداد فترة أطول.
أعود الآن لمحور كلامى وهو "مكتبة الإسكندرية" التى أعدنا إحياءها، ولكن السؤال هو هل عندما أقام "بطليموس الأول" تلك المكتبة كان هدفه هو إنشاء مكتبة فقط، لا، بل كان هدفه هو إنشاء أول مركز بحثى وجامعة فى العالم، حيث قامت مكتبة الإسكندرية وجذبت العلماء والباحثين والمفكرين فى كافة أنحاء العالم من كافة أنحاء العالم وأصبحت مصر راعية لهم، فلك أن تعرف أن نظرية إقليدس فى الهندسة هى ملك مصر فصاحبها صحيح يونانى ولكنه عاش فى مصر فى الإسكندرية وتمت رعايته من قبل مصر ممثلة فى مكتبة الإسكندرية علميا وأنتج نظريته الشهيرة، كذلك أرشميدس صاحب نظرية الطفو فى الفيزياء أيضاً عاش فى مصر وكان اكتشافه نتائج العلم الذى نهله من مكتبة الإسكندرية، وقس على ذلك علماء وأدباء ومؤرخين وشخصيات هامة فى التاريخ الإنسانى.
أنت الآن فى الوقت الحاضر أنشأت مكتبة مهما كبرت أقسامها واتسعت، لا تزيد فى حجمها عن كونها مكتبة "مهما زادت قيمتها أو قلت".
لماذا لا تتحول تلك المكتبة إلى مركز بحثى عالمى، لماذا لا يستغل ما تمتلكه من ثروة معرفية هائلة من كتب ومراجع ومقومات موجودة بالأساس فى إنشاء مركز بحثى هائل فى العلوم الطبيعية والإنسانية، افتح المجال لكل من يمتلك فكرة تطبيقية ما، تساعد فى حل مشكلة ما، أن يذهب للمكتبة ويعمل هناك ويبلور دراسته وبحثه، وقدم له أنت الدعم سواء من معامل أو مراجعة علمية، حولها لمركز علمى أو جامعة مصرية وطنية متخصصة فى منح الدرجات العلمية فى المجالات التطبيقية أو الاكتشافات التاريخية أو الاقتصادية أو غيرها.
ولك الحق يا سيدى صانع القرار المسئول عن العملية البحثية فى مصر، أن تضع معايير معينة لمن ستقدم له الدعم أهمها هو أن نتيجة البحث يجب عندما أن ألمسها أنا كمواطن فى صورة تطبيقية فى حل مشاكل فى مجال الصحة، النقل والمواصلات، الطاقة، الأمن الغذائى، الزراعة والرى، الصناعة والتجارة وغيرها، أيضاً من الممكن أن تشترط أن يكون الباحث معه من الشهادات العلمية والإثباتات المبدئية التى تؤهله لدخول هذا المركز البحثى الضخم والدراسة به.
ولا عيب أن تستعين بعنصر أجنبى من الخارج لوضع المعايير الأساسية للعملية البحثية بهذه المؤسسة، وعلينا أن نتذكر أن النهضة العلمية العربية قبل أن تصل لأوجها قامت على أسس ومراجع يونانية ورومانية وفارسية وهندية وقد نقلنا عنهم وأكملنا المسيرة وهم نقلوا عنا وأكملوا المسيرة عندما قررنا التنحى لأسباب كثيرة، لذا وأنت تتكلم اليوم عن نهضة علمية فلابد أن تبدأ من حيث وقفوا.
مصر حتى تقوم لها قائمة فى مجال البحث العلمى ليس عليها أن تكتفى بمركز بحثى أو اثنين بل يجب أن تنتشر المراكز البحثية وتزداد ولكنى أتكلم عن مشروع حضارى جاهز بالفعل لا يحتاج سوى إمدادات قليلة ودعم أقل وفى المقابل سيقدم للدولة المزيد من الأفكار والمزيد من الحلول والبدائل وهذا ما نحتاجه اليوم .
مكتبة الإسكندرية