فى الذكرى الأولى لرحيل الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، وكعادة الآباء لا يرحل "نجم" صامتا بل يترك أثره فى الأرض، بقصائده وأبنائه الذين يسيرون على هدى روحه ويكتبون الشعر، واليوم، هم يناشدونه أن يكشف عن غيابه وأن يوضح شائعة رحيله، يخبرونه كيف أن مدعى الشعر أصحاب الياقات البيضاء يتاجرون بأحلام الفقراء فى الإعلام والمحافل.. ويسألونه: هل تقول الشعر هناك؟
وفى هذا اليوم من تاريخ مصر ينشر "اليوم السابع" أربع رسائل لأبناء "الفاجومى" ممن تعلموا على يديه القول والإحساس بالآخرين والفقراء والمهمشين.
الشاعر أشرف الشافعى: ارتحت ياعم أحمد
إرتحت ياعم أحمد!
والله ارتحت
بهية من يوم مامشيت
والحال ف النازل..
من تحت لتحتْ
وما اظنش إنك كنت ح تستحمل..
ولا عمرك كنت سمحتْ
تشوف "الشعب الزين". .
و"الورد اللى مفتح ف جناين مصر"
متجرجر من أول وجديد ع الزنازين
وبتتكرر وياه مآساتك
أكيد كنت ساعاتها زى العادة..
عمَّرت مسدس أشعارك
وراهنت بعمرك وحياتك
ومليت الدنيا بكلامك ثورة..
وسيَّحتْ!
وقلبت الترابيزة على كل السفلة الأوباش
ونزلت تجمَّع عُشَّاقك
وتغنى معاهم..
وتقولهم إن العمر اللى قضيته..
مارحش بلاش
بس ماتقلقش علينا
وماتزعلش عليها...
طول ما احنا بندَّفى الروح بكلامك
يمكن أوقات بنريَّح..
من تُقل الحمل علينا
لكن برضه ح نرجع..
ونصحح مسارات الجى بعلامك
ما انكرش إنى قلقت شوية على بهية..
بعد اما عرفت انك بطلت معافرة
لكنى رجعت وقلت لنفسى. .
"اختشى عيب"
مايموتش اللى معلّمة كرابيج أشعاره..
ف ضماير أمة بحالها
بس أنا فرحانلك والله..
عشان ارتحتْ!
مع أنك عُمرك لا ف بحر الراحة سبحت..
ولا حد ح يستجرى يقول..
إنك ريَّحتْ
حتى بعد ماروَّحتْ!
سعيد شحاتة إلى نجم: انت أكتر واحد شفته بيحب ربنا
أتيت إلى القاهرة فى بداية الألفينيات أبحث عن وجهه، هل لى أن أقابل صاحب "بقرة حاحا" التى شنفت آذان صيادى بحيرة البرلس بها لدرجة أن من رآنى منهم ولو صدفة على شاطئ البحيرة أخذ يتراقص ويغنى "ناح النواح والنواحة على بقرة حاحا النطاحه" لأقف أصفق معه وأردد مع كل مقطع "حاحا".
فتشت فى كل قاعات الشعر المغلقة عنه ولم يكن فى مخيلتى أنه كائن ضد المساحات الضيقة ويعادى الأماكن المغلقة ويحارب مرتاديها بكل ما أوتى من قوة، نجم لا يمكن أن تجده إلا فى الأماكن المفتوحة، يضحك ويغنى ويطلق النكات ويحكى سيرته الفاجومية أو ما تيسر منها، كلما قابلناه فتح ذراعيه ضاحكًا "ياللا ياد يا بن الكلب أنت وهُوّ.. هو أنتو مالكوش أهل" نضحك ويضحك الإسفلت تحت أقدامنا، ونقبله ويمضي، نمضى بعد أن نستنشق مصر من طيّات جلبابه، نمضى بعد أن نقرأ على جبينه عذاب سنى القهر والظلم والتخلف والجهل وقمع الحريات وقتل الشعراء، نمضى وأنا أقول فى نفسى وأقسم لها: أن هذا الرجل أهم من العديد من الزعماء الذين عظمهم التاريخ، لأنه يحب مصر أكثر منهم، وإذا وصل إلى هذا المنصب الذى أخطأه بفعل الشعر لجعل مصر أعظم بقعة تحت خيمة الله الزرقاء.
3 ديسمبر 2013 تاريخ لن أنساه فى شوارع القاهرة، لأنه أحد الأيام القلائل التى شعرت فيه بالبرد الشديد، اليوم الذى افتقدت فيه وجها آثرت ألا أظهر معه فى صورة ظنًّا منى أنه لن يتوارى، شأنه شأن أهرام مصر، فمنذ أن وطأت أقدامى شوارع القاهرة لم أفكر لحظة واحدة أن أقف خلف الأهرام ليلتقط لى أحد أصدقائى صورة معها، وكذلك فعلت مع نجم.
واحشنى جدًّا يا أبو النجوم، كان نفسى أقابلك فى الشارع صدفة عشان أقول لك آخر نكته يا أبو النجوم.
انت أكتر واحد شفته بيحب ربنا وعشان كده ربنا هيقول لك زى أنت ما حبيت إنه يقول لك "أنت واد جدع"، ومصر هتدعى كل يوم فى مقام الحسين وهى حَلّه شعرها وتقول "يا رب اكرمنى بعيال جدعان زى نجم".
سالم الشهبانى إلى. . الأب أحمد فؤاد نجم
بعد التحية والسلام والذى منه
اختصارًا للكلام وعملاً بمقولة "خير الكلام ماقل ودل" أدعوك أن تنهى عزلتك هذى وأن تخرج من مخبأك، وأن تثبت لهم أن خبر موتك ماهو إلا إشاعة روجها بعض الخائفون من كلماتك التى لم تعرف زيف ولا نفاق، كلماتك التى كانت تمشى فى طريق الحق حتى وإن قلّ سالكوه، كلماتك التى كانت مثل سيف مسلط على رقبة المتاجرين بهذ الوطن.
أدعوك "باسم العمال، والفلاحين، والغلابة الشقاينين فى الشوارع وباسم المحبوسين فى الزنازين بتهمة حب الوطن باسم الورد اللى فتح فى جناين مصر أن تخرج عن صمتك".
منذ فترة تصاحبنى قصيدة كلمتين يا مصر تحديداً هذه الجملة التى كنت تقول فيه "حد ضامن يمشى أمن أو مأمن يمشى فين؟" تغيرت الأوضاع فى هذه السنة وازداد الحال سوء، خَيَّمة سحابة من الأحباط والحزن على قلوبنا عندما ضلت الثورة طريقها، وانشغل الرصيف بأوحاله أكثر، عندما صادرو الندى، وسجنو الضوء، وشتتو الحلم، وطاردو الأمل فى الحوارى، والأزقة، تبدلت الوشوش يا والدى "نجم" تحول من تحول وباع من باع.
تصدر المشهد، المتسلقون، المنتفعون، وأرباع الموهوبين، وأصحاب الياقات النظيفة الذين يتاجرون بأحلام الفقراء، خرج الذئب فى هيئة الواعظ على شاشات التلفزيون "رجعت سنين العزيز بقحطها المعروف، رجعت سنين العزيز، ارجع يا نجم وشوف" تعثرت "حاحا" وسقطت فى بئر من الظلام، خرج دود الأرض مرة أخرى يسعى فيها فساداً، ختاماً أطمئنك قليلاً أن هناك بعض الوجوه التى مازلت على العهد ولم يمسسها عفن هذه المرحلة وبعض المبدعين الشباب القابضين على قصائدهم مثل القابض على جمرة من نار، اطمئنك أننا نحاول أن نُخرج "حاحا" من عثرتها، فادعو لنا.. أن لم تأت وقوى من عزيمتنا كما كنت تفعل دائمًا.
أحمد عبد الجواد: لعم أحمد
ذهبت وتركت الساحة خالية من شاعر ثورى بالفطرة.. شاعر استطاع ببساطة كلمته وقوتها وعمقها أن يحفر شعره ليصبح فى الذاكرة.. تحولت كلماتك لتراث نردده فى الميادين وعلى المقاهى.. وحين اعترف الجميع بالثورة كانت الكلمة الخالدة "صباح الخير على الورد اللى فتح فى جناين مصر".
جمعنى معك موقفان أحدهما فى الساقية حين أتيت لتشجع أحد الشعراء الشباب وتثبت للجميع أن الشاعر الشاعر هو من يقف مع الشباب فكانت رسالتك الصامتة التى وعيتها أنا وجيلى من شباب الشعراء لنفتح بعدها المنافذ لمن نستطيع من الشعراء.
والثانى حين استضفتنى فى برنامج "حبايبنا" للتحدث عن الشاعر الكبير بيرم التونسى، وكنت حديث السن فى وقتها، وكانت أول مرة لى على شاشات التلفزيون "كانت مفاصلى بتخبط فى بعضها" لكن مع أريحيتك المعهودة وخفة دمك المريحة للنفس هدأت وبدأت فى التحدث عن عم بيرم، لا زلت أذكر حين قلت لى على الهواء قولى يا "سى السيد" ولما نسيت قصائد بيرم من الرهبة سمحت لى بأن أقول شعرى، لأقول قصيدة عامية جعلتك تنطق بعدها "الله".
عم أحمد كيف الحال هنالك؟ وهل تقولون شعرًا؟ وهل كنت مستعدًا لهناك؟ وهل للشعراء حساب مختلف عن باقى الناس؟ كيف استقبلت الموت؟ وهل تكتب قصائدك وتخبر الأحياء فى العالم الموازى بنص جديد؟ والسؤال الأهم ماذا تقول علينا اليوم؟.
4رسائل من أبناء "الفاجومى" الشعراء فى ذكرى رحليه.. أشرف الشافعى: ارتحت يا عم أحمد.. وسعيد شحاتة: أنت أكتر واحد شفته بيحب ربنا.. وأحمد عبد الجواد: رحل شاعر ثورى بالفطرة.. وسالم الشهبانى: اخرج من مخبأك
الأربعاء، 03 ديسمبر 2014 03:11 م
الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم
كتب بلال رمضان
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة