الهروب الكبير لأطباء مصر.. الهجرة هى الحل هربا من سخرة التكليف.. راتب الطبيب فى الثلاثين وبعد 7 سنوات دراسة لا يتعدى 1000 جنيه

الأربعاء، 12 فبراير 2014 11:54 ص
الهروب الكبير لأطباء مصر.. الهجرة هى الحل هربا من سخرة التكليف.. راتب الطبيب فى الثلاثين وبعد 7 سنوات  دراسة لا يتعدى 1000 جنيه جانب من الاضراب
كتبت آية نبيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى :

يجلس بين أقرانه فى هدوء بعدما وصل إلى الاجتماع متأخرا، يلتفت حوله فلا يجد إلا عيون زملائه المترقبة، كل منهم يدعو سرا أن يأتى تكليفه على مستشفى عام أو وحدة صحية قريبة من محافظته، يعرفها المشرف بأنها «فترة إجبارية تستمر لعامين تقوم فيها وزارة الصحة بتوزيع جميع خريجى كليات الطب عقب انتهاء فترة الامتياز على المستشفيات والوحدات الصحية» مؤكدا فى حديثه أهمية الفترة التى فى حالة رفض الطبيب لتأديتها يكون قد كتب استمارة خروجه من وزارة الصحة بشكل نهائى، وهو ما يعنى أن يتحمل نفقات استكمال دراسته «التخصص» على حسابه الخاص، وهو الأمر الذى يجعلها إجبارية لغالبية خريجى كليات الطب، الذين لا تستطيع قدرتهم المادية تحمل هذا.

دكتور حلمى السويدى الذى انضم إلى طابور خريجى كليات الطب عام 2013، أحد المتحدثين الرسميين عن اعتصام الأطباء الذى بدأ فى شهر فبراير الماضى 2013 داخل مكتب مساعد وزير الصحة للشؤون المالية والإدارية من أجل المطالبة بإعادة حركة التكليف والالتزام بقرار صرف الحوافز الكاملة للأطباء المكلفين فى المحافظات النائية يقول «فى القرية الأولى كنت مسوؤلا عن حوالى 13 ألف شخص وفى القرية الثانية أصبحت مسؤولاِ عن حوالى 10 أطباء و20 ممرضة، أنا الطبيب البشرى ومدير الوحدة الصحية الوحيدة فى القرية، وبعيدا عن خبرتى العلمية أو العملية، مطلوب منى أن أكون مستعدا طوال 24 ساعة على مدار الأسبوع لسد احتياجات أهل القرية، من كشف طبى وتشخيص وتحديد العلاج، والتأكد من حالات الوفاة، وإصدار تصاريح الدفن وشهادات الميلاد، مسؤول أيضا عن المراقبين الصحيين والرقابة على مياه الشرب ومياه الصرف الصحى والأطعمة، والتأكد من السلامة الغذائية، رغم أنى لا أعلم عنها شيئا، لكن أغلب الوقت أقوم بعمل إدارى بتحويل الحالات إلى أقرب مستشفى لأنى لا أملك أى إمكانيات».

يستكمل السويدى: «الطوارئ أو الحوادث أو الحالات اللى معنديش إمكانيات أو ما أقدرش أتصرف فيها أحولها لأقرب مستشفى، غير ذلك أجلس فى الوحدة لا بهش ولا بنش، ورغم ذلك يجب أن أبقى فى الوحدة، أحد زملائى ذهب ليتناول الغداء فى منزله الذى يبعد عن الوحدة 10 دقائق فقط ومر تفتيش ووقتها اتحاسب لأنه غير موجود، زى الاستعباد»، الأزمة الأكبر فى الإداريات، فطوال الوقت ملزم بمراجعة وملء أوراق وملفات ملهاش لازمة ولا أفهم فيها، وهو ما يهتم به تفتيش الوزارة لكن مناشداتنا بتوفير إمكانيات تذهب أدراج الرياح، مضيفا: «أول وحدة جاء تكليفى فيها انتهت شرايط السكر بعد كام يوم من استلامى العمل، قعدت شهرين بطالب الإدارة بتوفير شرايط السكر ولا حياة لمن تنادى، فى وحدتى الحالية لا أملك سوى سماعة ممرضة وهى رديئة لا يتعدى سعرها 10 جنيهات، وجهاز ضغط وحيدا من تبرعات أهل القرية، وأوقات كثيرة لا أملك خافض لسان، حتى جهاز السكر غير موجود ولا إبر خياطة وبضطر أطلب من أهل المريض شراءها مع المشرط».

وبسخرية تحدث السويدى عن تعليمه فى هذه الفترة قائلا: «صفر أو تحت الصفر، إحنا تقريبا بنجرب فى الناس، وبنحاول نقرأ ونجتهد لكى نعلم نفسنا قدر المستطاع، لدرجة أن جهاز السونار اللى عندى فى الوحدة لم أكن أستطيع التعامل معه، وحينما طلبت من الإدارة أن يوفروا دورات تدريبية لتعليمى محدش عبرنى لمدة 3 شهور، وحينما سألت على الكورسات الخاصة لتعلمه اكتشفت أن سعرها لا يقل عن 850 جنيها أو ألف جنيه، وقد تصل لعدة آلاف، وطبعا ده لا يتناسب نهائيًا مع مرتباتنا التى لا نقبضها غالبا لعدة شهور وتبدأ من 83 جنيها وأقصاها ألف جنيه يذهب أغلبها على المصاريف اليومية، لدرجة أن كورس أسعافات أولية كنت قد سجلت فيه لكنى اكتشفت فيما بعد أنه بـ3500 جنيه فانسحبت منه، وده اللى بيخلى أغلب إن ما كانش كل الأطباء بيفكروا فى السفر خارج الديار المصرية، ولغاية ما يقدروا يسافرو بيروحو يدوروا على لقمة العيش فى مستوصفات أو مستشفيات تحت السلم أو عيادات ومستشفيات حتى لو فوق السلم بيستعبدوهم هناك عشان القرش والجنيه، وطبعا عشان نتعلم وناخد تخصص أو زمالة أو معادلة أو درجة علمية أكبر محتاجين وقت وجهد ومال، غير اللى عنده مننا مسؤوليات مع أهله أو اللى بيفكر يرتبط أو يخطب أو يتجوز أو اللى اتجوز ومعاه أطفال».

«نفسى أمشى من البلد من دلوقتى، المركز على الشارع الناس فاكراه مستشفى وهو مجرد مركز لطب الأسرة، بييجى كل يوم حوادث إطلاق نيران وجروح ومش بقدر أقدملهم أى حاجة، أنا معنديش إلا سماعة وجهاز سكر من التبرعات» الكلمات التى بدأ بها دكتور معاذ فتحى، الطبيب بمركز طب الأسرة ببئر العبد التابع لمحافظة شمال سيناء، كلماته التى أكد من خلالها أن خريجى الطب هم «كبش فداء» لوزارة الصحة بعد التخرج لسد حاجاتها فى المحافظات، فمن جانب هم مجبرون على العمل حتى لا يضيع عليهم التعيين فى الوزارة حتى يستطيع تسجيل رسالة الماجستير معها، وبالتالى تكون أقل تكلفة فأغلب الخريجين لا يستطيعون التكفل بنفقاتهم على حسابهم، ومن ناحية أخرى لا يستطيع أن يعمل دون أن يحصل عليها.

ويضيف: «مفيش أى خريج طب لا يفكر فى الهجرة، لكن يجب أن يستمر لمدة 6 أشهر حتى يستطيع الحصول على إجازة بدون مرتب، وأدرس حاليا الهجرة إلى كندا أو ألمانيا أو أستراليا، لأنه على الأقل لما هتعب هناك هعرف أكون مستقبلى لكن هنا بالحوافز مرتبى لا يزيد عن 1100 جنيه، ويضيع نصفه على المواصلات والباقى على الفطار والغدا».

من المفترض أن يكون التكليف فترة اختيارية لخريجى كليات الطب وفقا للقرار 197 لعام 2012 الذى يعطى الطبيب الحق فى رفض التكليف، إلا أنه فى الوقت ذاته يجعله غير قادر على استكمال دراسته مع وزارة الصحة، حيث يصبح «طبيبا حرا» ينفق على استكمال دراسته المتخصصة بالكامل، وهو أمر لا يستطيع القيام به سوى عدد قليل من الخريجين، فيصبح قبوله إجباريا لعدم قدرة أغلبية الأطباء المادية على ذلك، لتتحول الفترة التى من المفترض أن يكتسب فيها الطبيب الخبرة العملية إلى كتلة من المواقف القاسية التى ينسى معها كل ما سبق، ولا يجد أمامه سوى عمل إدارى بوحدة نائية بإمكانيات ضعيفة تجعل مهمتهم الطبية الوحيدة وصف أدوية «برد وكحة» أو صرفها والتوقيع على حالات ولادة أو وفيات والتطعيم، أما غير ذلك فيحولها إلى أقرب مستشفى عام، عامان يرضى فيهما الطبيب بأى عمل خاص حتى ولو برواتب متدنية حتى لا ينسى ما تبقى من سنوات الدراسة فى ذاكرته.


والطبيب مجبر على الغربة وألا يرى أسرته إلا مرتين شهريا، «معاذ» أوضح أن الوزارة لا تعطيه مقابل ذلك، وبالتالى أغلب أطباء التكليف يبحثون عن «النيابة الملحة» التى تعرضها الوزارة حتى ولو كانت فى تخصص لا يريده، وألا يبقى سجين الأمور الإدارية التى أودت بصديقه الدكتور الشاب إلى النيابة بسبب عجز فى جرد الصيدلية التى من المفترض أنه مسوؤل عنها، وهو أمر يستغربه «معاذ» قائلا: «إحنا بنشتغل فى الوحدة كل حاجة، حتى لو معايا عدد كبير من الموظفين اللى كل دورهم إنهم يقعدوا فى الوحدة حتى مواعيد العمل الرسمية ثم الرحيل».

«%70 من العمل فى الوحدة إداريات والوزارة وعدتنا بدورة تدريبية عن الإدارة بس مفيش فلوس» هكذا تحدث دكتور خالد رأفت، الذى يشكر حظه الطيب أنه ليس المسوؤل عن الوحدة التى يتكلف بها فى إحدى قرى دمياط، قائلا «المسؤولية بتكون عن طريق الأسبقية وهى تدبيس لأنه بيتحمل كل الأخطاء الإدارية فى الوحدة».

يقول «الإداريين بيبقوا فاهمين أكتر من الطبيب وممكن يقع فى مشكلة بسبب ختم وفاة كما حدث عندنا، حيث أقنع الإدارى الطبيب أن أهالى المتوفى دفنوه ولم ينتظروا شهادة الوفاة، واكتشف الطبيب بعد ذلك أنه توفى من عدة أيام وهو كان معتمدا على أن الموظف من أهالى القرية وبالتالى تحول إلى التحقيق، وهو موقف واحد من مواقف كثيرة غير قانونية تحدث داخل الوحدات التى تنفق الكثير من الأموال على لا شىء».

خالد أكد أن عمله يقتصر على صرف أدوية وغالبا يريدونها لإطعام حيواناتهم، ويضيف «الأدوية فى الوحدات بتكون قليلة، وأغلب الناس بحولهم لإخصائيين فى المستشفيات، وبالتالى لا أتعلم شيئا جديدا فى هذه الفترة بل ممكن تكون تدريب لينا بدون خبرة، فإذا كانت هذه الفترة إعدادا للطبيب لبدء حياته العملية كيف يمكن ذلك بدون أن يكون معه أى إشراف من طبيب أكثر خبرة منه؟، وبالتالى هى مجرد فترة تستغل فيها الوزارة الشاب الخريج لأنه مجبر على الاستجابة لطلبها حتى يتم تعيينه وحتى يستطيع استكمال الماجستير، الذى تقل تكاليفه مع الوزارة عن الاستقلال عنها».


موضوعات متعلقة :

التكليف «إهانة».. ويجب عودة طبيب الأسرة





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة