قال الدكتور مهندس استشارى إبراهيم على العسيرى كبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية (سابقا) وخبير الشئون النووية والطاقة، إن اليابان أشادت بمواصفات الأمان التى حددتها مصر فى محطتها النووية الأولى فى إطار سعيها لإنشاء أول محطة من هذا النوع باعتبارها ضرورة ملحة تخدم مصر والمنطقة فى ظل الارتفاع المتزايد لتكاليف الغاز الطبيعى وتنامى احتياجات مصر من الكهرباء.
وكانت صحيفة (هوكايدو) اليابانية قد نشرت مقالا يحمل صورة الخبير النووى المصرى إبراهيم العسيرى تحدثت فيه عن أنباء عطاءات المحطة النووية المصرية وعدد الشركات التى ستتقدم لإنشائها وأهمية المحطة بالنسبة للدول العربية لإنتاج الكهرباء والأغراض السلمية وليس لأى أغراض عسكرية.
وفى هذا الصدد، أضاف العسيى أن نوع المفاعل الذى تنص عليه مواصفات المحطة النووية المصرية الأولى هو "مفاعلات الماء العادى المضغوط" من الجيل الثالث، وهى حاليا أكثر أنواع المفاعلات النووية أمانا فى العالم، وهو النوع المستخدم فى 80% من المفاعلات النووية العاملة فى العالم حاليا، كما أن 65 فى المائة من المفاعلات النووية تحت الإنشاء فى العالم من نفس النوع.
وأوضح الدكتور العسيرى، الحاصل على جائزة نوبل عام 2005 ضمن مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مناصفة مع د. محمد البرادعى مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى ذلك الوقت، أن هذا النوع يختلف عن مفاعلات فوكوشيما فى اليابان، الذى كان من نوع مفاعلات الماء العادى المغلى، بمعنى أنه يتم تسخين الماء الذى يمر على الوقود فيتحول إلى بخار وهذا البخار هو الذى يتحول إلى التربينات مباشرة، أما فى مفاعلات الماء العادى المضغوط الذى ستستخدمه مصر فإنه يتم تسخين الماء بتمريره على الوقود تحت ضغط جوى 150 وتصل درجة حرارته إلى 330 درجة مئوية وذلك فى دائرة مغلقة تتصل بدائرة أخرى وتحول الماء الذى يمر بها إلى بخار، ومن ثم يتم توجه هذا البخار غير المباشر الذى ليس له أية علاقة بالوقود النووى ومنعزل عنه تماما إلى التربينات، وهو ما يوفر عامل أمان إضافيا.
ونوه بأن هذا النوع يحاط بغلاف خرسانى سمكه حوالى 120 سم ومبطن بالصلب وهو ما يجعله يتحمل أى ضغط ولا يسمح بالتسرب خارج الغلاف الخاص به.
وفيما يتعلق بالزلازل، أوضح الدكتور العسيرى، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الهندسية عام 1986 والحاصل على نوط الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1995، أنه تمت دراسة معدلات الزلازل فى مصر عن فترة 4 آلاف عام، منها 2000 عام قبل الميلاد و2000 عام بعد الميلاد، وتم تحديد أقصى حد للزلازل على مدى هذه الفترة، وتمت إضافة عامل أمان فى مواصفات المحطة النووية المصرية الأولى أعلى من هذا الحد الأقصى، وبالتالى لا توجد أية مشكلة جراء الزلازل فيما يتعلق بالمحطة المصرية.
أما فيما يتعلق بالتمدد البحرى الذى يعرف بالتسونامى، فقد تمت دراسته على مدى نفس الفترة وتبين أن ارتفاع أعلى تسونامى فى منطقتنا لم يتجاوز 4 أمتار، وقد تم تصميم المحطة النووية المصرية كى تتحمل تسونامى حتى ارتفاع 10 أمتار.
وفيما يتعلق بمحطات الديزل الاحتياطية فى حالة حدوث خلل فى الشبكة الكهربائية العامة، فإن ارتفاعها عن الأرض أعلى من ارتفاع أى تسونامى محتمل، بحيث لا يمكنه أن يؤثر عليها.. بينما كانت هذه المحطات فى اليابان على مستوى الأرض، وبالتالى فقد عطلها تسونامى فوكوشيما.
وفيما يتعلق بالبطاريات التى تستخدم للتشغيل فى حالات الطوارئ، قال الدكتور العسيرى إنها تعمل وفقا لمواصفات المحطة المصرية لمدة 10 ساعات، بينما كانت فى محطة فوكوشيما ساعتين فقط.
وأوضح العالم المصرى أن مواصفات المحطة النووية المصرية تشمل وجود محطات ديزل إضافية يمكن نقلها إلى الموقع على وجه السرعة.. لافتا إلى أن مواصفات المحطة النووية المصرية تنص على وجود مماثل أو محاكى تدريب "سيميوليتور"، وذلك حتى يكون هناك تدريب مستمر للعاملين فى المحطة النووية المصرية على طريقة عمل وكيفية التصرف بشكل سليم فى حال حدوث أية حالة طوارئ فى هذه المحطة.
ونوه بأن مواصفات المحطة النووية المصرية تراعى تشغيل أجزاء كبيرة من المحطة بدون وجود مصدر كهرباء وتشغيل خارجى، وهو ما يعرف بـ"عوامل الأمان غير المباشرة"، بمعنى أنها لا تحتاج إلى مصدر للكهرباء لتشغيلها، مشيرا إلى أن المحطة تطبق آليات طبيعية، وضرب مثالا على ذلك بارتفاع الهواء الساخن وحلول الهواء البارد محله بشكل طبيعى حتى فى حال انقطاع الكهرباء.
يذكر أنه بعد مرور ثلاثة أعوام على مأساة فوكوشيما اليابانية، فإن الحكومة اليابانية قد أعلنت تأييدها للبحوث والدراسات التى نشرها المعهد القومى اليابانى للعلوم الإشعاعية والمتعلقة بحادثة مفاعلات فوكوشيما اليابانية. وأثبتت هذه الدراسات أنه لا يوجد آثار صحية سلبية نتيجة الإشعاعات الناجمة عن مفاعلات فوكوشيما من جراء تعرض المنطقة للزلزال والتسونامى فى 11 مارس 2011.
وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا وضعه فريق من الخبراء فى الدراسات الإشعاعية ومخاطرها الصحية جاء فيه أن نسبة مخاطر السرطان نتيجة للحادث تكاد تكون غير محسوسة، كما أشار التقرير إلى أن المخاطر الإشعاعية للذين تعرضوا للإشعاع من الأطفال فى المناطق الأشد تعرضا للإشعاع قد تزيد فقط بنسبة 1 فى المائة نتيجة حادثة فوكوشيما.
ومن المعروف أن كارثة فوكوشيما والتى وقعت يوم 11 مارس 2011 نتجت عن زلازل من أقوى أنواع الزلازل التى تعرضت لها اليابان والذى بلغ مقداره 9 بمقياس ريختر مصحوبا بفيضان (تسونامي) بلغ ارتفاعه حوالى 14 مترا مما نتج عنه توقف الشبكة الكهربية والتى يوجد بها 6 مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء من نوع مفاعلات الماء العادى المغلي، والتى تم تصميمها وإنشاؤها بواسطة شركة جنرال اليكترك الأمريكية وشركات أخرى يابانية وهى شركات توشيبا وهيتاتشى.
وعند وقوع الزلزال كانت المفاعلات النووية الخامسة والسادسة فى حالة إيقاف كامل تمهيدا لعمليات الصيانة الدورية وإعادة التحميل بالوقود، أما المفاعل النووى الرابع فقد تم تفريغه من الوقود النووى تمهيدا لإعادة التحميل، أما المفاعلات النووية الثلاثة الأولى فقد توقفت تلقائيا بمجرد وقوع الزلزال وبدأت أنظمة الأمان فى العمل تلقائيا غير أنها سرعان ما توقفت عن العمل بسبب انقطاع التغذية بالكهرباء من الشبكة الخارجية وكذلك بسبب تعطل ماكينات الديزل الاحتياطية بسبب انغمارها تحت الفيضان (التسونامي) بالإضافة إلى توقف البطاريات الاحتياطية بعد بضع ساعات من تشغيلها. ونتج عن ذلك ارتفاع درجة الحرارة بالوقود النووى داخل المفاعلات الثلاثة بسبب الحرارة الناتجة عن نواتج الانشطار النووى والذى أدى فى النهايـة إلى انصهـار الوقود النووى داخل المفاعلات النووية الثلاثة الأولى.
وأوضح الدكتور العسيرى أنه مع ذلك ورغم أن هذه المفاعلات الستة تم إنشاؤها فى الفترة من1967 - 1973 وبدأ تشغيلها خلال الفترة من 1971 حتى عام 1979، ورغم هذا الزلزال والفيضان غير المتوقعين، ورغم وفاة حوالى 20 ألف نسمة بسبب الزلزال والفيضان، فإن ضحايا المفاعلات النووية لم يتعد ثلاثة قتلى من العاملين فى المفاعلات النووية وذلك بسبب الزلزال والتسونامى ولا يوجد أى ضحايا بسبب الإشعاعات النووية. كما أن المفاعلات النووية لم تتعرض لأى شروخ أو تشققات، إضافة إلى أن الأوعية الخرسانية المحيطــة بهذه المفاعلات لم تتعرض لأى أضرار.
وقال الدكتور العسيرى "رغم هذه الحقائق التى أصدرتها منظمة الصحة العالمية، والتى يتبين منها زيف وبهتان ما تم ترويجه عن مخاطر حادثة مفاعلات فوكوشيما، فقد قامت مظاهرات محدودة فى اليابان ضد استخدام الطاقة النووية رغم علم المتظاهرين الكامل بأنه لا غنى لليابان عنها وإنما هى لأغراض سياسية ليس إلا".
وأضاف "هذا يذكرنى أنه أثناء قيامى بالتفتيش النووى لبعض المنشآت فى كوريا الجنوبية كانت هناك مظاهرة مناهضة للطاقة النووية أمام إحدى المحطات النووية ورغم علم المتظاهرين أن الصناعة النووية فى كوريا يعمل بها الآلاف من الكوريين ورغم أن هذه الصناعة النووية أصبحت أهم الصناعات الأربع التى يقوم عليها الاقتصاد الكورى ورغم أن كوريا ليس لديها مصادر طاقة أخرى بديلة، ولكن كان هذا التظاهر لأغراض سياسية وانتخابية بحتة".
وأكد الدكتور العسيرى "أن أى تأجيل فى تنفيذ إستراتيجية الطاقة المصرية يتسبب فى خسائر فادحة مادية وتكنولوجية واقتصادية واجتماعية.. وعلى سبيل المثال، فإن إيقاف المشروع النووى المصري، والذى كان يشمل إقامة 8 وحدات نووية مجموع قدراتها الكهربية 8400 ميجاوات كهرباء، فى أعقاب حادث مفاعل تشير نوبل عام1986 وبحجة الحادث النووى وإن كنت أعتقد أن إيقافه كان استجابة لضغوط خارجية، وبعد أن كان جاهزا على التوقيع مع الشركة التى فازت بعطاء تنفيذه، فإن هذا الإيقاف، لفترة حوالى الثلاثين عاما، نتج عنه خسارة لا تقل عن 200 مليار دولار أمريكى (فقط من فرق تكلفة الوقود النووى عن الغاز والبترول)، خلاف تكلفة تصاعد أسعار المحطات النووية، فضلا عما فقدناه من كوادر علمية تلقفتها الدول الغربية وما فقدناه من تنميه تكنولوجيه واجتماعية واقتصادية شاملة".
وقال العالم المصرى "إن توفير الطاقة الكهربية اللازمة لتلبية متطلبات التنمية وزيادة السكان لا يمكن توفيرها من محطات الطاقة الشمسية والرياح وحدهما لأسباب فنية، بدليل أنه لا يوجد دولة فى العالم تعتمد على محطات الطاقة الشمسية والرياح وحدهما فى توفير متطلباتها الكهربية الأساسية، رغم تميزها بسطوع الشمس وتوافر الرياح المناسبة بها وبكفاءة أكثر من مصر.. كما لا يمكن توفير الطاقة الكهربية اللازمة لتلبية متطلبات التنمية وزيادة السكان بمزيد من محطات الغاز والبترول معتمدين على استيرادهما كما يحدث حاليا.. وحتى مع توافر الغاز والبترول مستقبلا فهو إلى نضوب، إن آجلا أو عاجلا، ومن الأفضل ترشيد استخدامه فيما هو أكثر جدوى مثل الصناعات البتروكيماوية أو كوقود للسيارات.. والبديل الوحيد الأمثل لتوفير هذه الطاقة هو استخدام الطاقة النووية مدعومة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.. فهذه استراتيجية طاقة وليست محلا للمزايدة".
واختتم الدكتور العسيرى تصريحاته بالقول: "أتمنى من كل مصرى أن ينظر لمصالح مصر العليا وليس إلى مصالحه الشخصية".
عالم: اليابان تشيد بحرص مصر على تطبيق مواصفات الأمان بمحطتها النووية
السبت، 15 فبراير 2014 01:38 م
محطة نووية – أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة