"مقدمة لثورة أو انتفاضة شعبية"، "حادثاً يهز مصر"، "ظاهرة غريبة تجتاح شوارع القاهرة"، وغيرها من العناوين الغاضبة التى تصدرت الصحف وصفاً لأول حادث تحرش جماعى تشهده مصر فى عام سجله التاريخ على أنه العام الأول لميلاد الحالة التى وجدت طريقها كحوادث فردية فى البداية عام 2006، ثم ضربت الشوارع بقسوة حادثة تلو الأخرى، حتى ارتبط ظهورها بالتجمعات والأعياد أحياناً، واحتفالات ما بعد بطولات كرة القدم المحلية والعالمية أحياناً أخرى، ثم تحولت بعد عدة أعوام من الحادث الأول إلى جزء لا يتجزأ من احتفالات الشعب المصرى بفوز المنتخب فى الشوارع التى وقف فيها التحرش الجماعى بطلاً لا يغيب عن المشهد.
التحرش الجماعى بفتاة فى استاد القاهرة بعد فوز منتخب مصر ببطولة كأس الأمم الأفريقية عام 2006، كانت هى نقطة البداية الحقيقية للظاهرة التى وصلت بعد حوالى ثمانى سنوات من هذا التاريخ إلى حد الكارثة الاجتماعية، وفاق تكرارها حدود المتوقع والمقبول، وهى الحادثة التى ربطت جرائم التحرش الجماعى تاريخياً فى مصر باحتفالات كرة القدم التى تحول "التحرش" إلى جزء من أهم تفاصيلها على مدار سنوات طويلة حازت فيها مصر كأس الأمم الأفريقية ثلاث مرات متتالية بمعدل بطولة كل عامين، وتكررت الحوادث التى أخذت فى التوحش عاماً بعد آخر وبطولة تلو الأخرى.
الحادثة التى بدأت شرارة التحرش الجماعى المعلن والصريح، لم تكن هى البداية فقط، بل كانت بداية أيضاً لتصوير جرائم التحرش الجماعى وبداية نشرها فى مقاطع مصورة على اليوتيوب، وهو ما يثبته مقطع الفيديو المصور لفتاة استاد القاهرة التى نجح المتحرشون فى خلع ملابسها قبل أن تفلت من أيديهم، ومازال المقطع بتاريخه مشيراً إلى نقطة البداية وارتباطها باحتفالات كرة القدم ، وهى الحادثة التى أعقبتها الحادثة الأشهر فى العام نفسه للتحرش الجماعى بالفتيات فى شوارع وسط البلد فى ثانى أيام عيد الفطر فى المشهد الذى اعترف معه العالم بوجود ظاهرة التحرش الجماعى بقوة فى مصر.
فى عام 2008، وبعد عامين من حادثة التحرش الجماعى الأولى، نجحت مصر فى الحصول على كأس الأمم الأفريقية للمرة الثانية على التوالى، تاركة للجماهير حرية الاحتفال فى الشارع، وتاركة لشبح التحرش الجماعى الفرصة فى انتهاك فتيات نزلن للاحتفال، وكانت هذه المرة دليلاً للإثبات على أن مصر تعانى من كارثة تهدد بانهيار كل القيم الاجتماعية، وكان حصاد حالات التحرش الجماعى وزيادة قسوتها هو ما خرج بفيلم يتحدث للمرة الأولى عن الظاهرة، مشيراً لحادثة احتفالات الفوز بالكأس تحديداً وهو فيلم "678" من إنتاج عام 2010 وهو العام الذى وصلت فيه ظاهرة التحرش الجماعى المرتبطة بالتجمعات والاحتفالات العامة فى الشوارع تحديداً لحد الذروة، ونجحت من خلاله الفنانة "نيللى كريم" فى تجسيد مشهد الفتاة التى وقعت ضحية داخل دائرة محكمة من المتحرشين، كما ألقى الضوء على تجربة الفتاة المصرية صاحبة البلاغ الأول ضد متحرش، وهو الفيلم الذى قوبل بالنقض والتكذيب لعدم وجود الفكرة من أساسها فى الشارع المصرى، وتلقى العديد من الاتهامات بالتهويل وتشويه سمعة مصر وغيرها من الاتهامات والآراء التى لم تكن تعترف بعد بوجود ظاهرة أثبتت سطوتها ووحشيتها بشكل مبالغ فيه بعدها بفترة قصيرة.
التحول التاريخى من الاحتفالات فى الملاعب ورفع علم مصر الفائزة فى بطولات كرة القدم، ونقل الاحتفالات لميادين الثورة بدلاً من الاستاد، لم يكن كافيا لمحو الظاهرة بل كان سبباً فى زيادتها وانتشارها، وهو ما أوضحته الدكتورة "سامية خضر" أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس قائلة: ظاهرة التحرش الجماعى هى ناتج لتوافر مجموعة من العوامل أولها الانفلات الأخلاقى والدينى، وغياب القانون، وهى العوامل التى أخذت فى الانحدار شيئاً فشيئاً منذ بداية الظاهرة وحتى الحادثة الأخيرة، وزادت حدتها تدريجياً خلال الثلاث سنوات الأخيرة من خلال إضافة عوامل أخرى ساعدت على تدعيم وجودها بشكل قوى وهى الانفلات الأمنى والأخلاقى والتفكك المجتمعى، والسنوات الطويلة من إنكار المشكلة وتحميل الضحايا مسئولية الحادث. وهو ما وصفته "خضر" بالتطور الطبيعى لظاهرة "التحرش الجنسى الجماعى" التى بدأت مصادفة خلال احتفالات بالفوز بالكأس، وانتهت بكوارث عنف ممنهجة فى احتفالات ميادين الثورة، ومازالت الظاهرة فى انتظار حلول جذرية، أو تطور آخر يكمل ما بدأته الصرخة الأولى عام 2006 فى استاد القاهرة، ويضع حداً لقسوة الصرخة الأخيرة عام 2014 فى ميدان التحرير.
بالفيديو.. التحرش الجماعى من الاستاد للميدان.. الظاهرة بدأت فى 2006 أثناء الاحتفال بفوز المنتخب.. وصولا لحادث التحرير.. ارتبط ظهورها بالتجمعات والأعياد أحياناً.. وخرجت من إطار الصدفة إلى العنف الممنهج
الجمعة، 20 يونيو 2014 06:47 م
تحرش أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة