من أروع ما كُتب فى السياسة عبر التاريخ مؤلف "السياسة " لأرسطو، والذى نقله إلى العربية أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، فى هذا المؤلف العظيم تجد أن أرسطو يتقدم بنصائح إلى الطاغية كى يحافظ على ملكه وسلطانه، ومن أولى تلك النصائح التظاهر بالتدين والدفاع عن الدين وحب الآلهة فيقول ناصحاً للملك "أن الناس كثيراً ما لا يخشون ظلماً من قبل رجل يظنونه مواظباً على جميع واجباته نحو الآلهة ويقل اجتراؤهم على الائتمار به، لأنهم يخالون السماء حليفة له".
والعجيب فى هذه النصيحة ليس نصها، ولكن توقيتها، لأن أرسطو فطن إلى العلاقة بين الدين والسلطة والخلافة منذ ثلاثمائة سنة قبل الميلاد، بما يعنى عمق نظرته وإبداع رؤيته.
ولعل تلك الرؤية الأرسطية هى ما اجتذب أطرافها، وأخذ مضمونها دعاة الدين، أو بالأحرى أصحاب سفينة الدين إلى منصة السلطة، أياً كان نوعهم وأياً كانت اتجاهاتهم، فوسائلهم واحدة، وتبريراتهم واحدة...
بن لادن كان يزعم أنه يدافع عن الإسلام، وكان يقتل ويُخرب بحجة الإسلام .... وداعش فى العراق تذبح الأطفال بحجة أنهم أبناء الشيعة وأنهم بهذا يدافعون عن الاسلام، والجماعات التكفيرية والجهادية فى مصر يقتلون أعيناُ وعدها النبى الكريم بالجنة لأنها باتت تحرس فى سبيل الله بحجة الاسلام ...
والسؤال الآن، أى إسلام؟ وأى دين ؟ وأى عقيدة تلك التى تبيح تلك الدماء !؟!
أهى العقيدة التى كان يقف مؤسسها (ص) لجنازة يهودى، وعندما يقولون له يارسول الله إنه يهودى فيقول " أليست نفسا "، أم هى العقيدة التى التى قال عنها صاحبها " إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها " بما يعنى البناء والتعمير إلى لحظة قيام الساعة، لا القتل والتخريب، أم هى العقيدة التى قال عنها صاحبها " من حرّض على قتل أخيه ولو بشطر كلمة بُعث يوم القيامة مكتوباً بين عينيى آيس من رحمة الله ".
أى عقيدة هى إذاً، للأسف إنها ليست سوى عقيدة واحدة قالها أرسطو منذ زمن بعيد، إنها عقيدة السلطة لا أكثر، عقيدة الحكم والملك لاغير، وكل يوم يمر يثبت لنا صحة هذا الكلام، فداعش دخلت الكنائس ودمرتها ورفعت عليها أعلام سوداء مكتوب عليها اسم الله، والله برئ مما يفعلون، ومما يدينون، ومما يفكرون، ثم ادعوا إقامة خلافة إسلامية، إنها السلطة إذًا، هى الدافع إلى التظاهر بالدين، وهى الدافع إلى التمسح بالدين حتى لو كان النهج خاطئا، وصدقت نبؤة أرسطو، حيث العلاقة الجدلية بين السلطة والدين ستظل إلى قيام الساعة...
د.محمد ممدوح عبد المجيد يكتب: هذه الجدلية ستظل إلى قيام الساعة
السبت، 12 يوليو 2014 02:15 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة