حقق الرئيس عبد الفتاح السيسى بداية قوية فى التصدى للمشكلات الاقتصادية للبلاد إذ تمكن من إدخال إصلاحات طال انتظارها لنظام الدعم دون إثارة اضطراب شعبى.
كانت حكومة السيسى التى تشكلت فى يونيو حزيران قد أعلنت هذا الشهر زيادة أسعار منتجات الطاقة التى تحظى بدعم كبير بما وصل إلى 78 فى المئة كما فرضت ضرائب جديدة على الأفراد والأرباح الرأسمالية وذوى الدخول العالية.
تلك الخطوات ما هى إلا بداية لما يتوقع أن تكون عدة سنوات من التقشف المؤلم للمصريين حيث تستهدف الدولة التخلص من عجز هائل فى الميزانية تشير تقديرات إلى أنه سيصل إلى 10 % من الناتج المحلى الإجمالى فى السنة المالية التى بدأت فى الأول من يوليو.
ولتخفيف وطأة الإجراءات على المواطنين العاديين كشفت الحكومة النقاب أيضا عن بعض الاجراءات منها خدمات نقل مجانى فى حافلات الجيش وطرحت المزيد من المنتجات الغذائية بأسعار مدعمة بشدة.
غير أنه فى الوقت الذى رحب فيه المستثمرون بالبداية الجرئية للسيسى فهم يقولون إن الجهود اللازمة لإحداث تحول فى الاقتصاد والمالية العامة للدولة لم تكد تبدأ بعد.
وفى ظل الحاجة إلى إصلاحات أوسع مدى فربما لا يكفى الكلام والمسكنات الموضعية فقط لاحتواء السخط فى بلد أطاحت فيه الاحتجاجات الشعبية برئيسين خلال ثلاث سنوات.
وقالت كولين شيب محللة شؤون الشرق الأوسط لدى كونترول ريسكس لاستشارات المخاطر الدولية "سيكون من الأصعب أن يقبل المصريون مزيدا من التخفيضات فى الدعم إذا لم يروا على الأقل بعض تلك الثمار أو إذا شعروا بأنها لا توزع بشكل عادل" فى إشارة إلى تعهدات الحكومة بانفاق ما توفره من خفض دعم الطاقة على زيادة أجور موظفى القطاع العام وعلى التعليم والرعاية الصحية ومعاشات التقاعد.
وناشد السيسى - الذى كان قائدا للجيش عندما عزل الرئيس الإسلامى محمد مرسى قبل نحو عام عقب احتجاجات واسعة ضد حكمه - المصريين التضحية فى وقت تحاول فيه الحكومة إنعاش اقتصاد تضرر بسبب انخفاض الاستثمار الأجنبى وتراجع السياحة منذ الاطاحة بالرئيس السابق حسنى مبارك فى العام 2011.
ويبلغ دعم الغذاء والطاقة عادة نحو ربع الإنفاق الحكومى وقالت شيب إن أى تخفيضات فى الدعم فى المستقبل قد تثير "اضطرابات شعبية خطيرة إذا لم تطبق بشكل تدريجى مصحوبة بتنبيهات مسبقة وإجراءات تعويضية ملائمة."
ومنذ انتخاب السيسى فى مايو ايار فرض قانونا يقيد التظاهر أسكت جميع المعارضين تقريبا باستثناء مؤيدى الإخوان المسلمين جماعة المعارضة الأشد والمحظورة حاليا.
لكن محللين يقولون إن الافراط فى التقشف قد يدفع المصريين العاديين إلى النزول للشوارع مجددا ويشكل ذلك إلى جانب التحديات الأمنية التى يمثلها المتشددون فى سيناء وعلى الحدود مع ليبيا خطرا قد يحبط برنامج الإصلاح الاقتصادى.
ويشير المستثمرون إلى أن مصر كانت فى وضع مالى بالغ الصعوبة قبل نحو عام. وعلى الأقل وضع السيسى الدولة على طريق طويل للتعافى وفى علامة على تفاؤل المستثمرين فقد ارتفع مؤشر الأسهم القيادية بمصر ثمانية فى المئة منذ مطلع يونيو، لكن ينبغى للسيسى أن يضع خطة للتعافى فى المدى المتوسط.
وقال بريان كارتر مدير محافظ ديون الأسواق الناشئة لدى أكاديان لإدارة الأصول فى بوسطن إن مصر كانت "مفلسة بلا ريب. لم يكن ممكنا تحمل الدين.. أو تمويل العجز وتبددت الاحتياطيات."
وأضاف "نصبر عليهم حتى يعالجوا الأزمة الحالية ونتطلع قدما للإعلان عن أهداف متوسطة الأجل عندما يتاح لهم الوقت للتركيز على ذلك."
ولم يعلن السيسى خطة للأجل المتوسط أو يكشف حتى النقاب عن مستشاريه الاقتصاديين وترك المراقبين يتكهنون بشأن كيف ينوى إصلاحات المالية العامة وجذب أنشطة الأعمال مجددا.
ولم يتحدث أيضا عما إذا كان يفضل العودة إلى المحادثات للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى والتى فشلت فى العام الماضى خلال حكم مرسى الذى لم يكن راغبا فى إدخال إصلاحات لأنظمة الدعم والضرائب لا تحظى بقبول شعبى.
وقال كريستوفر جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد الدولى إلى مصر إن تحركات الحكومة الجديدة نحو تعزيز الوضع المالى هى "خطة أعدت محليا وخطوة مهمة للأمام"، وقد تعدل وكالات التصنيف الائتمانى توقعاتها لمصر بالرفع.
غير أنه لا يزال ينظر على نطاق واسع إلى قرض صندوق النقد الدولى باعتباره ضروريا لضمان تعافى الاستثمار الأجنبى الذى هوى من ثمانية مليارات دولار سنويا قبل الاطاحة بمبارك. ويمكن الاعتماد على المساعدات الخليجية المستمرة لسد الفجوات المؤقتة فى التمويل.
وفى الداخل كانت ردود الفعل على إجراءات التقشف خافتة بشكل ملحوظ. فقد شكا سائقو سيارات الأجرة فى القاهرة من تقلص هوامش أرباحهم فى حين تذمر ركاب الحافلات الصغيرة من ارتفاع الأجرة وصب البعض غضبهم على السيسى بسبب ما يعتبرونها خيانة منه لهم لكن المعارضة المنظمة لم تكن موجودة فعليا.
ودأب السيسى على التحدث بلغة عامية بسيطة تروق للفقراء ليشرح ضرورة التقشف.
وقال كارتر مدير محافظ ديون الأسواق الناشئة لدى أكاديان لإدارة الأصول "السيسى ليس مبارك" فى إشارة إلى الرئيس السابق الذى كان يعتبر منفصلا عن العامة.
لكن السيسى سعى أيضا لسحق المعارضة لسياساته من كل الاتجاهات .. إسلامية أو علمانية.
كما التزم رجال الأعمال الصمت غالبا برغم شعورهم بضغوط من قبل الحكومة التى تبحث جاهدة عن إيرادات.
وقال هانى توفيق رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للاستثمار المباشر "لا يمكنك تهديد (السيسي). لو قلت له ?'?إذا لم تعطنى فسأرحل?'? فسيقول لك إرحل فورا."
ويشهد النصف الثانى من العام حدثان مهمان. فالانتخابات البرلمانية قد تعزز سلطة السيسى السياسية. وقال إنها شرط مسبق لأى اتفاق مع صندوق النقد الدولى.
وسيشكل مؤتمر دولى للمانحين والمستثمرين قرب نهاية العام اختبارا بالنسبة للاقتصاد من حيث من سيحضر وحجم الاستثمارات.
وقال وزير الاقتصاد إن مصر ستعلن خطة استثمارية قرب أغسطس ربما تشمل مشروعات كبرى فى البنية التحتية يمكن أن تساهم فى معالجة مشكلة البطالة التى تبلغ رسميا 13 بالمئة لكنها من الناحية الفعلية أعلى بكثير.
وبرغم التفاؤل لا تزال هناك تحديات اقتصادية كبيرة، فقد يتطلب الأمر خفض دعم الوقود بما يصل إلى 25 % سنويا خلال السنوات الأربع القادمة كما تبحث الحكومة أيضا فرض ضريبة على القيمة المضافة.
ومن المتوقع أن تدفع التخفيضات فى الدعم معدل التضخم إلى مستويات فى خانة العشرات. وحتى فى ظل إصلاحات المالية العامة سيظل عجز الميزانية مرتفعا لسنوات مع تنامى نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى التى بلغت 89.2 % فى السنة المالية التى انتهت فى يونيو 2013، ولم يتضح حتى الآن كيف سيعاد توجيه الأموال التى سيتم توفيرها من الدعم.
واستقر ميزان المدفوعات فى العام الماضى بدعم من مساعدات خليجية قدرها 12 مليار دولار على الأقل لكنه لا يزال عند مستوى أدنى بكثير من مستوياته قبل 2011 وهو مبعث قلق مستمر للمستثمرين.
البداية الجريئة لـ"السيسى" بشأن الإصلاح الاقتصادى تتيح لمصر بعض الوقت
الأربعاء، 23 يوليو 2014 07:39 م
الرئيس عبد الفتاح السيسى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة