فى الركن الشمالى الغربى من دلتا النيل يقوم إبراهيم شرف الدين بتشغيل مضخته التى تعمل بالسولار بجوار قناة موحلة " لكن لا يخرج منها إلا فقاعات صفراء.
على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية تسببت أنظمة الرى العتيقة وحملة حكومية لترشيد استهلاك المياه فى حرمان الفلاحين من الاستفادة بمياه النيل الغنية بالمواد المغذية للتربة الأمر الذى دفعهم إلى استغلال قنوات صرف المياه رغم قربهم من أطول نهر فى العالم.
الدين (50 عاما) عن القناة "هذا الماء يدمر مضخاتنا ويعطب آلاتنا ويضر بإنتاجنا."
لكن حتى فى ظل ما تعانيه مصر من تناقص ما يصل اليها من مياه النيل تحث الدولة الفلاحين على زيادة زراعتهم لإمداد لبلاد بما يكفى برنامج الأغذية المدعمة. ويقول مزارعون وخبراء إن الأمرين يتناقضان مع بعضهما البعض.
وتعرقلت جهود رامية لاستغلال معظم الرقعة الزراعية النفيسة فى البلاد بسبب الزحف العمرانى الذى استمر عقودا وتسارع منذ عام 2011 حين أثارت الإطاحة بالرئيس حسنى مبارك حالة من "الانفلات" الأمنى.
وتتطلع الحكومة إلى تحفيز الانتعاش الاقتصادى بعد اضطرابات سياسية استمرت سنوات وترغب فى خفض فاتورة وارداتها الغذائية التى تبلغ 4.5 مليار دولار، وتذهب معظم هذه الفاتورة إلى الدعم الحكومى الذى يكفل شراء رغيف الخبز بخمسة قروش مصرية (أقل من سنت أمريكى).
ويدفع ذلك مصر -أكبر مستورد للقمح فى العالم- إلى شراء نحو عشرة ملايين طن سنويا من القمح.
وقال نيكولاس لودج الشريك المنتدب للإدارة فى شركة كلاريتى للاستثمار الزراعى التى مقرها الخليج "مشكلة الاعتماد على الواردات ستزداد سوءا.
"لديك نمو سكانى يفوق قدرة القطاع الزراعى على تحسين الإنتاج الذى يقيده نقص الأراضى والمياه."
وتنتج مصر بالفعل محصولا كبيرا بما فى ذلك سبعة ملايين طن من القمح سنويا وفقا لبعض التجار وهو ما يرجع إلى حد كبير للأسعار التى تعرضها الحكومة من أجل تحفيز الإنتاج والتى تتجاوز أسعار السوق.
ويشجع دعم الخبز المصريين على زيادة استهلاك الفرد من القمح أكثر من أى دولة أخرى تقريبا وسيزيد الطلب مع نمو السكان البالغ عددهم 87 مليون نسمة، ويقول كتاب حقائق العالم الذى تصدره وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.ايه) إن معدل النمو السكانى فى مصر يبلغ 1.6 مليون نسمة سنويا.
حلول "غير واقعية"
تدين مصر بالكثير لنهر النيل الذى سمح لها ببناء حضارة قديمة قامت على ثروتها الزراعية. لكن الأراضى الزراعية تلتهم 85 بالمئة من مياه البلاد وهى نسبة تتجاوز المعدلات العالمية وفقا للمجلس العالمى للمياه.
وقال جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة إن تحسين المحصول وتخصيص المزيد من الأراضى للمزارعين قد يزيد الإنتاج لكن هذه الإجراءات لن تكفى لتلبية الطلب المتنامى.
ويأتى محصول القمح المصرى بالفعل بين أكبر المحاصيل العالمية لكن التنافس المتزايد بين مزارع مصر ومدنها على الموارد المحدودة من الأراضى والمياه يحد من زيادة الإنتاج.
ووادى النيل هو الأرض الوحيدة تقريبا الصالحة للزراعة فى مصر ويضم 95 % من سكان البلاد رغم أنه يشكل 5 % من مساحتها.
والتقى الرئيس المصرى الجديد عبد الفتاح السيسى مع الوزراء الرئيسيين يوم الأحد لوضع خطط لاستصلاح أربعة ملايين فدان فى الصحراء.
وقال صيام إن هذه الخطة "غير الواقعية" ستحتاج إلى 80 مليار متر مكعب من المياه سنويا وهو ما يفوق بكثير إجمالى حصة مصر من مياه النيل.
وتوقفت خطط أكثر تواضعا فى جنوب مصر وعلى ساحلها الشمالى لسنوات بسبب نقص المياه.
صحيح أن البلاد استفادت من سياسات مثل الحد من زراعة الأرز -أكثر المحاصيل استهلاكا للمياه- والتشجيع على زراعة بنجر السكر بدلا من قصب السكر الشديد الاستهلاك للمياه إلا أن هذه السياسات لا تعالج مشكلة القمح المستهلك الرئيسى للمياه.
ويقول خبراء إن من بين الحلول المناسبة إصلاح أنظمة الرى أو زراعة محاصيل تدر أرباحا أكبر مثل الفواكه التى تحتاج القليل من المياه لكنها تتطلب خدمات لوجستية معقدة مثل التخزين والنقل المبرد.
نمو السكان وشح المياه
ويحذر مراقبو المياه من أن الأمن الغذائى العالمى معرض للخطر بسبب شح المياه مع تأثر مصر بصفة خاصة بالمشروعات المقامة على نهر النيل فى دول المنبع والنمو السكانى والتغير المناخى.
وقال بينيديتو براجا رئيس المجلس العالمى للمياه لرويترز "مصر بالأساس دولة تعتمد على مصدر واحد للمياه هو النيل الذى تتشارك فيه 11 دولة."
"لذا يمثل النيل من الناحية الإستراتيجية نوعا من قضايا الأمن القومى لمصر."
وتكفل المعاهدات الموقعة بينما كانت جميع دول الجوار -عدا أثيوبيا- تحت الاستعمار لمصر ثلاثة أرباع تدفقات المياه القابلة للاستخدام سنويا والبالغة 74 مليار متر مكعب وهو وضع تسعى القاهرة لحمايته.
لكن مع تراجع نفوذ مصر الإقليمى بدأت دول أخرى على طول النهر فى استغلال إمكانات النيل لصالحها.
وفى عام 2011 حازت أثيوبيا على دعم جيرانها المتعطشين للطاقة وبدأت تنفيذ أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية فى أفريقيا وهو ما أثار انزعاج القاهرة.
وقال الرئيس السابق محمد مرسى عن السد الاثيوبى فى يونيو من العام الماضى "جميع الخيارات أمامنا مفتوحة " إن نقصت قطرة واحدة فدماؤنا هى البديل."
وخففت مصر من حده موقفها فى الآونة الأخيرة حيث يعتزم السيسى زيارة أثيوبيا هذا الصيف لإجراء محادثات بخصوص السد الذى اكتمل ربعه.
ويقدر صيام أن السد سيحجز عشرة مليارات متر مكعب سنويا على مدى سبع سنوات مع فقدان المزيد من المياه بسبب التبخر.
وتقول مصر إنها تحتاج للاحتفاظ بحقها التاريخى للاعتراض (الفيتو) على المشروعات على نهر النيل لأن دول المنبع تتمتع بأمن مائى أكبر.
وقال صيام "تقع مصر تحت خط فقر المياه البالغ ألف متر مكعب سنويا للفرد إذ تصل حصتها إلى 700 متر مكعب."
وأضاف قائلا "ومع تزايد عدد السكان تزداد خطورة المشكلة."
وأيا كانت فكرة الفلاحين مثل شرف الدين عن الجدل الدائر حول التغير المناخى تتوقع بعض الوكالات أن أى تغيرات فى الاحوال الجوية قد تؤثر على مصر.
وحذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة فى تقرير فى 2013 قائلة "من
المرجح بشدة أن تقل الأمطار فى شمال أفريقيا بحلول نهاية القرن الحادى والعشرين."
وتوقع التقرير أيضا أن ترتفع درجات الحرارة فى مصر درجة أو درجتين مئويتين بحلول نهاية القرن.
وقال باسكوالى ستيدوتو رئيس مبادرة ندرة المياه الإقليمية بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إن ارتفاع درجة الحرارة يعنى تبخر المزيد من المياه وسيؤدى تراجع الأمطار إلى نقص إجمالى تدفقات مياه النيل.
ومع إضافة ذلك إلى السد الاثيوبى والعوامل الديموغرافية يتضح أن حصول المصريين على غذائهم من أراضيهم سيكون أصعب من أى وقت مضى.
وقال عادل بشاى أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة "على مدى آلاف السنين اعتدنا الإفراط فى استخدام المياه التى كانت تعتبر مجانية. سيقول لك الفلاح المصرى 'أنت لا تملك المياه. المياه من عند الله.'"
"وفى السنوات العشر المقبلة سيتعين علينا أن نتعلم بسرعة شديدة كيفية ترشيد استخدام المياه."
النمو السكانى وشح المياه قد يزيدان واردات مصر من الغذاء
الجمعة، 04 يوليو 2014 03:02 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة