حسمت المحكمة الاتحادية العليا فى العراق اليوم الصراع السياسى بين رئيس الحكومة المنتهية ولايته نورى المالكى، ورئيس العراق الجديد فؤاد معصوم، بعدما قضت بأن كتلة المالكى هى الأكبر فى البرلمان ما يعنى إمكانية بقائه رئيسا للحكومة لفترة ولاية ثالثة، وهو الحكم الذى اعتبره مسئول عراقى كبير بأنه سيسبب مشكلة كبيرة، مشيرا إلى أنه بسبب الحساسيات الطائفية فى العراق فإن القرار سيعقّد الأوضاع للغاية فى البلاد.
ووفقا للدستور يتعين على الرئيس العراقى أن يكلف المالكى بتشكيل حكومة جديدة فى وقت تواجه فيه البلاد تحديا رئيسيا يتمثل فى تنظيم الدولة الإسلامية والتوترات الطائفية، ويرفض المالكى -الذى يتولى تصريف شؤون البلاد منذ انتخابات غير حاسمة فى أبريل- دعوات من السنة والأكراد وحتى من الشيعة وإيران للتخلى عن مساعيه لرئاسة الحكومة لإتاحة السبيل أمام تولى شخصية أقل استقطابا للمنصب.
وجاء الحكم، فى وقت أصر فيه المالكى على عدم تخليه عن محاولته للفوز بفترة ثالثة واتهم الرئيس بخرق الدستور فى كلمة تليفزيونية شديدة اللهجة، من المرجح أن تؤدى إلى تفاقم التوترات مع احتدام تمرد سنى.
وتحدى المالكى، الذى يُنظر إليه على أنه زعيم مستبد وطائفى دعوات السنة والأكراد وبعض الشيعة، وإيران بالتنحى لإفساح المجال أمام تولى شخصية أقل استقطابا، يمكن أن توحد العراقيين ضد مقاتلى الدولة الإسلامية.
وقال المالكى "لقد خرق الرئيس العراقى فؤاد معصوم الدستور العراقى مرتين وسأقدم شكوى ضده فى المحكمة الاتحادية".
وألقت الولايات المتحدة بكل دعمها فى صالح فؤاد معصوم، ونقلت مصادر عن جو بايدن نائب الرئيس الأمريكى، أنه أبلغ الرئيس العراقى فؤاد معصوم، أن ترشيح المالكى بدون توافق داخلى سيؤدى إلى نتائج سلبية على العراقيين.
كما أكد وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أن تشكيل حكومة عراقية مسألة حاسمة لتحقيق الاستقرار، وحث نورى المالكى على ألا يؤجج التوتر السياسى.
وانتشرت قوات خاصة موالية للمالكى فى مناطق مهمة فى بغداد منذ مساء أمس الأحد بعد إلقاء المالكى لكلمته، وهو ما اعتبر محاولة من المالكى لتطويق الرئيس الجديد، إلا أن مسئولا أمريكيا قال إن بلاده لا ترى ما يشير إلى تعبئة القوات العراقية بأسلوب غير معتاد على الرغم من الأجواء المتوترة فى بغداد، وقال المسئول الذى تحدث شريطة عدم نشر اسمه إنه تحدث مع الرئيس العراقى فؤاد معصوم ومساعديه الذين نفوا تقارير قالت إن دبابات تحاصر المجمع الرئاسى.
وقال كيرى للصحفيين فى سيدنى قبل إجراء المشاورات الوزارية السنوية بين الولايات المتحدة وأستراليا، إن "عملية تشكيل الحكومة مهمة فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار والهدوء فى العراق وأملنا هو ألا يثير السيد المالكى القلاقل"، لافتا إلى أن "شىء واحد يحتاج كل العراقيين لمعرفته وهو أنه سيكون هناك القليل من الدعم الدولى من أى نوع كان لأى شىء يحيد عن عملية الدستور المشروعة القائمة ويجرى العمل عليها الآن".
وقالت مارى هارف، نائبة المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فى بيان أمس الأحد "نؤكد تأييدنا لعملية اختيار رئيس وزراء يمكنه أن يمثل طموحات الشعب العراقى من خلال بناء إجماع وطنى والحكم بأسلوب شامل، كما قال مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشؤون العراق بريت ماكغورك فى تغريدة على تويتر، "دعم كامل للرئيس العراقى فؤاد معصوم، كضامن للدستور ومرشح لمنصب رئيس الحكومة، بإمكانه أن يخلق تفاهما وطنيا".
من جانبه هاجم نائب الرئيس العراقى السابق، طارق الهاشمى، أحد أبرز الشخصيات السنية العراقية، ما قام به نورى المالكى، عبر نشر قواته فى مناطق حساسة من العاصمة، متهما إياه بتنفيذ انقلاب، ودعا القوات المسلحة إلى عصيان أوامره، فى حين برزت تأكيدات على قيام "قوى سنية" بطرد داعش من الموصل.
وقال الهاشمى، فى بيان وجهه إلى العراقيين صباح اليوم الاثنين: "نورى المالكى كما توقعنا وبعد أن بات مرفوض وطنيا وبعد أن فقد الأمل فى الترشح لدورة ثالثة يقوم بانقلاب عسكرى، خلافا للدستور والقوانين النافذة، هو لا يزيد عن كونه رئيس وزراء منتهى الصلاحية".
ورفض الهاشمى إمكانية تذرع المالكى بمخالفة الرئيس الجديد، فؤاد معصوم، للدستور عبر عدم تسميته لرئيس وزراء حتى اللحظة قائلا: "مهمة تشكيل الحكومة الجديدة هى من صلاحية رئيس الجمهورية وإذا خالف يحاسبه مجلس النواب وليس رئيس الوزراء".
وختم الهاشمى بالقول: "انقلاب نورى المالكى مرفوض، ولابد أن تتظافر جميع القوى الوطنية فى الداخل والخارج من أجل إجهاضه بسرعة. ولابد أن تدرك القوات المسلحة أن المصلحة الوطنية تقتضى عصيان أوامره لأنه لا يملك أدنى صلاحية باعتباره رئيس وزراء تصريف أعمال وإلا أصبحوا شركاء معه فى هذه الجريمة".
وفى سياق متصل، قال محافظ نينوى، أثيل النجيفى، شقيق رئيس البرلمان السابق، أسامة النجيفى، إن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يروج شائعات بمرافقة قوات شيعية لأى قوة تهاجم مدينة الموصل من أجل إثارة العواطف الطائفية مضيفا: "يعلم الجميع أن الميليشيات الشيعية لم تعد مهتمة ولا قادرة على الحرب سوى بالمناطق المتواجدة فيها أو القريبة منها أو التى تشكل معلما دينيا بالنسبة لها، أما الموصل، فالجميع متفقون بأنه لن يحررها سوى قوات من أهلها".
وتوجه النجيفى إلى مؤيدى المالكى بالقول: "أليس غريبا ألا يبحث مجلس الوزراء أزمة الموصل وانهيار الجيش فى المحافظات العراقية فى أى جلسة من جلساته لحد الآن ولم يدرج الموضوع فى فقرات اجتماع أى جلسة؟ أليس غريبا أن يدرس كل العالم أسباب انهيار الجيش العراقى ولا تقدم القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية تقريرا لمجلس الوزراء؟".
من جهة أخرى واصلت الطائرات الأمريكية لليوم الثالث على التوالى، شن غاراتها الجوية ضد مواقع ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق.، وبحسب البنتاجون، تم شن 4 غارات على مدار أمس الأحد، استهدفت مسلحين تابعين لـ"داعش" قرب جبل سنجار، حيث تتواجد الأقلية الإيزيدية المحاصرة منذ أيام.
وتم استهداف مقاتلى التنظيم، قرب بلدتى الغوير، ومخمور، القريبتين من العاصمة الكردية أربيل، وساعد ذلك قوات البشمركة التركية على استعادة السيطرة على البلدتين، بعد أن سيطرت عليهما "داعش"، يوم الأربعاء الماضى، لكن ذلك لم يمنع الحكومة الأمريكية، بحسب وزارة الخارجية، من اتخاذ قرار بإجلاء عدد من موظفيها من مدينة أربيل خوفا على حياتهم.
وفى العاصمة واشنطن، أثار التدخل الأمريكى فى العراق حالة من الجدل السياسى، حيث انقسم الساسة الأمريكيون إلى فريقين، الأول يدعم رؤية الرئيس باراك أوباما، الذى أكد مرارًا وتكرارًا، أن الحل فى العراق يجب أن يكون سياسيًا، وليس عسكريًا، وأن يتم من خلال خطة عراقية، وليس من عبر التدخل الأمريكى.
أما الفريق الثانى، وهو الأعلى صوتا، فيتهم الرئيس أوباما بالفشل، وبعدم اتباع خطة واضحة المعالم لمواجهة داعش، ومساندة العراق.
ويطالب المنتمون لذلك الفريق، بتوجيه المزيد من الضربات العسكرية الأكثر فعالية، وتسليح الأطراف المعتدلة التى تنبذ الإرهاب، وتسعى للتصدى للتنظيمات الإرهابية، سواء داخل العراق أو سوريا.
وقال السيناتور جون ماكين، وهو أبرز المنتقدين لسياسات إدارة أوباما، إن الغارات الجوية التى شنت ضد "داعش" ليست فعالة، مشددا على ضرورة اتباع خطة حاسمة لدحر تنظيم الدولة الإسلامية، من خلال استهداف معاقل التنظيم فى العراق وتسليح الأكراد، على أن تمتد العمليات العسكرية لتشمل مواقع داعش فى سوريا، مطالبا بتسليح الجيش السورى الحر.
وأكد ماكين أن الأزمة العراقية تنعكس بشكل مباشر على الأمن القومى الأمريكى، محذرا من خطورة التحاق مواطنين أمريكيين بتنظيم "داعش"، وأضاف: "وصل عددهم إلى 100 ومن بينهم مقاتل نفذ عملية انتحارية فى سوريا".
موضوعات متعلقة..
وزير الدفاع الأميركى: الغارات الجوية فى العراق فعالة
"واشنطن بوست": "المالكى" ينفذ انقلابا سياسيا فى العراق
بالصور.. "داعش" تنشر صوراَ للأضرحة التى هدمتها فى العراق.. التنظيم الإرهابى يدمر مسجد النبى يونس وضريح الإمام على.. وينسف مرقد النبى شيت ومعبد حسينية الفصيلية.. ويجيز نبش القبور المبنى عليها مساجد
المحكمة الاتحادية العراقية تنصر المالكى على الرئيس الجديد وتمهد الطريق لبقائه رئيسا للحكومة.. أمريكا تعلن دعمها الكامل لفؤاد معصوم.. وطارق الهاشمى يتهم رئيس الوزراء بتنفيذ انقلاب ويدعو الجيش لعصيانه
الإثنين، 11 أغسطس 2014 12:02 م
ورئيس العراق الجديد فؤاد معصوم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة