لاشك أن مصر اليوم فى مرحلة إعادة البناء، وهى فى أمّس الحاجة إلى تجديد روافدها ودماء أبنائها فى كافة المؤسسات، ليس عيباً فى القائمين حالياً عليها ولكن التجديد والتغيير سنة كونية لا تبديل لها، والتغيير إما أن يكون بتغيير الأشخاص أنفسهم وهو ما لا نسعى إليه ولا نطالب به، أو تجديد النظام والمنهج الذى يسيرون عليه لمواكبة التطور والأنظمة الحديثة وهو ما ننادى به ونطمح إليه فى كافة مؤسساتنا، خاصة فى هذه المرحلة العسيرة، التى تتطلب الجهد والعرق الإخلاص لأجل إعادة البناء.
ومن أولى تلك المؤسسات التى هى بحاجة إلى تغيير ثقافتها ومنهجها هى وزارة الأوقاف، حيث إن الدعوة إلى الله من أجّل وأرفع الأعمال، ومن أعظهما وأخطرها على مستقبل الوطن، فالداعية إن لم يكن مثقفاً بالقدر الكافى وعلى دراية تامة بصحيح الدين والسنة فإنه قد يخلق أزمات، وقد يساعد فى صناعة متطرفين جدد، أو يغذى المتطرفين القدامى، بما يدخله على الدين من تشدد لا رفق فيه مخالفة لجوهر الدين القائم على الرفق الذى لا تشدد فيه، والتجديد ليس معناه تطوير الدين، أو إدخال ماليس من الدين عليه، معاذ الله، ولكن التجديد معناه الخضوع لحديث النبى الكريم (ص) "أنتم أعلم بشئون دنياكم" أو ما يعرف بالفقه إصطلاحاً "فقة الواقع"، وذلك لمواكبة التطورات والقضايا والأحداث التى لم تكن موجودة على عهد النبى (ص) وفى هذا يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه الله "إن مراجعة تفكيرنا الدينى ضرورة ماسة، ولا أعنى بتاتا رجوعاً عن أصل قائم أو فرع ثابت فهذا والعياذ بالله ارتداد مقبوح وهناك فرق بين المراجعة والرجوع".
فالمراجعة هى مسألة ثقافية بحته لا تصل إلى جوهر الدين أو نصوصه ومبادئه، ولكنها فقط تشرح هذه المبادئ وتلك النصوص بشىء من الوسطية، وبما يتناسب مع سماحة ولين ورفق هذا الدين، يقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد فى كتابه "حوار لا مواجهة" ما نصه "... فإن الحديث موجه إلى فكر المسلمين وسلوكهم فالتجديد إذاً تجديد لأمر الدين ومكانته وسلطانه وليس تجديد للدين نفسه"، والمسلمون اليوم فى أمّس الحاجة إلى مثل هذا التجديد، لأن الخطاب التقليدى أعياهم وأصابهم بالملل لدرجة جعلتهم ينصرفون عن الدعاة وعن المساجد، بل وجعلتهم لا ينصتون إلى نداءات الدعاة لأنهم فقدوا الثقة فيهم.
ذاك هو ضرورة التجديد والبدء فى اتخاذ إجراءات حقيقة لإحداث نوع من التغيير فى نمطية الدعوة، أما عن الآلية والكيفية ففى المقال القادم إن شاء الله.