فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى بين أمانة الكلمة وحرية التعبير "2".. التطبيق الحقيقى لحرية الرأى والتعبير يكمن فى الالتزام العملى بقيم الدين وأخلاقه

السبت، 16 أغسطس 2014 08:27 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى بين أمانة الكلمة وحرية التعبير "2".. التطبيق الحقيقى لحرية الرأى والتعبير يكمن فى الالتزام العملى بقيم الدين وأخلاقه د.شوقى عبدالكريم علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحدثنا فى مقالنا السابق عن أن حرية التعبير حقيقة ثابتة أوجبها الإسلام، بل جعلها فريضة، ولم تكن يومًا من مبتدعات الغرب، وكيف أن النبى صلى الله عليه وسلم ضرب أروع الأمثلة هو وصحابته الكرام، والسلف الصالح من بعدهم فى حرية الرأى، وطالبنا بأن يشدد الخطاب الدينى على الالتزام بضوابط حرية التعبير، والبعد عن الشطط، وعدم اصطدام هذه الحرية مع ثوابت الدين والعقيدة، أو مع مصلحة الأمة والمسلمين.

واليوم نستكمل حديثنا عن حرية التعبير وأثرها فى المجتمع، وما على خطابنا الدينى تجاهها، لأنه ما من أحد يشك فى أن حرية الرأى والتعبير فى المجتمعات الإسلامية أمانة ووعى بالحق، والتزام به، وربما يصعب علينا - فى حديثنا بهذه الكلمات المقتضبة - حصر الآثار المؤكدة التى تضفيها حرية الرأى والتعبير على المجتمع، الأمر الذى يضطرنا إلى الإيجاز.

فعلى الخطاب الدينى فى وقت كثرت فيه الأهواء وكثر فيه الغث، وطفا على السطح مجموعة من قليلى العلم والفهم قد أساءوا استخدام حرية الرأى والتعبير أن يبرز آثار تلك الحرية على المجتمع، والتى يجب أن يكون عليها البعض ويلتزموا بها، ومن أبرز هذه الآثار المحافظة على المجتمع، وحمايته من الفساد، لأنه لم يعد أحد من المسلمين اليوم يشك فى أن مجتمعات المسلمين مستهدفة، وأنه يراد لها أن تغوص وتغرق فى أوحال الفساد والانحطاط، متخلية بذلك عن دينها.

لذا فإنه من حق هذه الأمة المسلمة أن تسمع كلمة الحق واضحة جليّة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال حرية الرأى، كيف لا وقد أخذ الله تعالى ميثاق الذين أوتوا العلم بأن يبينوه للناس لا أن يلبسوا عليهم دينهم فقال تعالى: «وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ»، فالله تبارك وتعالى قد عاب على أولئك الذين يكتمون ما أنزل الله، فقال عزَّ وجل: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ*إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»، فلا تقبل توبتهم إلا إذا بينوا، والذين يسكتون عن بيان الحق لن يكون لهم نصيب يوم القيامة، هذا حال من يكتم الحق، فما بالنا بمن يتكلم لكنه يهرف بما لا يعرف، يطعن فى الدين وثوابته، وينكر معلومًا فى الدين ويطعن فى السنة؟
لكن خطابنا وهو يدعو إلى بيان الحق وعدم كتمانه والبعد عن الفساد، لا يغفل أهمية حرية الرأى فى المساهمة فى تحقيق المصالح الكبرى للمجتمع، فما من شك فى أن حرية الرأى تصب مباشرة فى حفظ العقل، وحفظه جزء لا يتجزأ من الصنف الأول من مقاصد الشريعة الإسلامية الغرّاء، ألا وهى الضروريات، والمتمثلة فى حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحصيل المصالح وتكميلها، ونفى المفاسد وتعطيلها، فشريعة الإسلام شريعة خالدة عالمية كاملة، جاءت بتحقيق مصالح البشر إلى قيام الساعة، ومن شمولية هذا الدين وكماله استيعابه لكل المستجدات، ورعايته للأحوال الحادثة مهما اختلف الزمان والمكان.

كما أن على خطابنا الدينى وهو يتناول بالحديث حرية الرأى أن يؤكد على مبدأ التشاور الذى تكون من أهم أولوياته الوفاق، والوصول إلى الحلول الناجعة لا التشاحن، وذلك باعتماد مبدأ الشورى، وعدم الفردية فى اتخاذ القرار فى ظل هذه النخب الفاعلة، التى تعرف كيف تقبل الرأى الآخر المختلف، وتقدر على المحاورة، من دون التنابز والشتم والاحتقار أو المزايدة عليه، وتهدف إلى الاستماع إلى بعضها البعض، وتتشاور مع بعضها البعض استنادًا إلى قوله تعالى: «وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ»، وقوله تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ»، فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فى مكائد الحرب، وعند لقاء العدو، وإن كان الله تعالى قد أغناه عنهم، وما ذاك إلا تطييبًا لأنفسهم، وتأليفًا لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم، وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه الله تعالى بيَّن لهم تعالى ذكره الرأى الصواب فى الأمور كلها، لما فى عالم المشورة من الفضل، وما ذاك أيضًا إلا ليتبعه المؤمنون من بعده فيما حزبهم من أمر دينهم، ويستنوا بسنته فى ذلك، ويحتذوا المثال الذى رأوه يفعله فى حياته من مشاورته أصحابه فيتشاوروا بينهم ثم يصدروا عما اجتمع عليه سواد الأمة ولا يخرجوا عليه، وماذا يريد المجتمع سوى الصواب فى الأمور كلها، الأمر الذى ينعكس عليهم برغد فى عيشهم، وسعة فى دينهم ودنياهم، كل هذا لا يمكن أن يحدث إلا فى ظل شيوع حرية الرأى الملتزمة والمنضبطة بقيم الإسلام وسلوكياته. 

وفى علاج الخطاب الدينى لقضية حرية الرأى والتعبير، وأثرها على الأمة أن نؤكد أنه لا بد على الجميع من استشعار المسؤولية، والقيام بالواجب نحو الإصلاح، لأن حرية الرأى إذا آتت ثمارها، جعلت كل فرد من أفراد المجتمع يستشعر مسؤوليته تجاه أمته، ويقوم بواجبه، حيث لا مجال للحظوظ، بل المجال هو استنفار الإيمان الكامن فى القلوب، واستدعاء الأسباب التى تهيئ للنجاح من صحة للمقاصد، ومن لزوم للتعاون، وجمع للصفوف، ومن ترتيب للأولويات، وما يلحق بذلك من حشد للإمكانات والطاقات، لأن معركة الإصلاح معركة متعددة فى الصور ممتدة فى الزمان، لا يمكن أن تتحقق بصورة سريعة.

فالتطبيق الحقيقى لحرية الرأى والتعبير يكمن فى التطبيق العملى لقيم الدين وأخلاقه، الذى لا يرضى بسلاطة اللسان والفحش فى القول، واتهام النوايا، وإثارة الأحقاد، والتحريض على الانتقام، والتطاول على الثوابت، بل هو فى حدوده الطبيعية أصل الوحدة بين الأمة، ومنبع التقدم والتطور فيها، وهذا يستدعى العودة الجادة للالتزام  بالوسطية الصحيحة، والصورة الشاملة للتدين القويم، وذلك من حيث الالتزام بأدب الخلاف، والإيمان بأن الحوار البناء والموضوعى وعدم الشطط هو طريق الوفاق والبناء.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة