أشرقت الشمس على القاهرة فى مثل هذا اليوم "18 أغسطس 1798" حتى اتخذ نابليون بونابرت مجلسه على منصة مقامة فى كشك عند ملتقى النيل بالخليج، ليشرف على أول احتفالات بعيد "وفاء النيل" بعد قدومه على رأس حملته الفرنسية إلى مصر.
رأى "نابليون" أن مشاركته فى الاحتفال بـ"عيد" سيعطيه شرعية، ويعزز من موقعه كحاكم مواليا ليس للإسلام وفقط، وإنما لكل عادات المصريين، ومنها احتفال بهذا النوع من الأعياد غير الإسلامية لكنها مصرية خالصة، وفى كتابه "بونابرت فى مصر" لـ"ج.كروستوفر هرولد" يقول إن "بونابرت" جلس بجواره قواده فى ثيابهم العسكرية، واختلط بهم أعضاء ديوان القاهرة وغيرهم من أعيان المسلمين فى عمائمهم البهية، ولحاهم الكبيرة، وقفاطينهم ذات الأهداب المصنوعة من الفرو والتى تنبئ بمكانتهم، ولا يكاد المرء يصدق أن المسلمين أو الفرنسيين كانوا يطيقون لبس هذه الثياب تحت شمس أغسطس المصرية".
ويشير الجبرتى إلى أن "بونابرت" دعا أهل القاهرة للخروج إلى المنتزهات على ضفتى النهر وفى جزيرة الروضة كما اعتادوا، لكن كثيرا من أهل القاهرة تلقوا الدعوة بمشاعر اختلط فيها الغضب بالكآبة، فهناك الضرائب الجديدة التى نشط جامعوها فى جمعها، وهناك أيضا نهب الدور، وملاحقة النساء والجوارى بل اختطاف بعضهن والزج بهن فى السجون".
فى كتابه "مصر تحت حكم بونابرت" يستفيض المؤرخ الأمريكى "خوان كول" فى ذكر تفاصيل هذا اليوم قائلا، إن الفرنسيين حرصوا على حشد أكبر عدد من الناس فى المنتزهات وعلى صفحة النيل، ولعبت الفرق الفرنسية والمصرية مقطوعات موسيقية، ويضيف، أنه حين أعطى "بونابرت" إشارة لإزالة "جسر السد" تدفقت المياه فى تيار قوى إلى القناة، وألقى النساء والرجال والأطفال بأنفسهم فى النيل، كما ألقوا خصلات من ذؤابات الخيل وخرقا من قماش، وغير ذلك من القرابين لينعم الله على نسائهن بالخصوبة أو ليحفظ عليهن جمالهن، وانطلق طائفة من الراقصات برقصات خليعة على طول القناة، وألقى "بونابرت" كميات كبيرة من العملات الصغيرة بين الناس، وألقى قطعا من الذهب على سطح القوارب المارة، ومنح شيخ الأزهر كسوة سوداء، ومنح شيخ الأشراف كسوة بيضاء، ووزع القفاطين على كبار الضباط الفرنسيين تكريما لهم.
حمل العمال تمثالا صغيرا من الطين لامرأة ويدعى "المخطوبة" وألقوها فى النيل، وذلك امتداد لعادة فرعوينة قديمة، وبعدها انسحب الموكب الرسمى فتبعه الناس وهم ينشدون المدائح النبوية، ويزعم "ديز فرنواه" أن الناس هتفوا باسم القائد الأعلى "بونابرت" ووصفوه بأنه "مرسل" إليهم من قبل الرسول لأنه أحرز انتصارا وسيطر على أجمل أنهار العالم.
وسجل "الجبرتى" أنه لاحظ عزوف العائلات عن ركوب القوارب فى القنوات فى تلك الليلة، مثلما اعتادوا من قبل عدا المسيحيين والسوريين والأقباط والأوروبيين وزجاتهم، ويضيف، أن مسلمى القاهرة عدا قلة من العاطلين لم يشاركوا فى الاحتفالات الرسمية، لكن الفرنسيين لم يستطيعوا التمييز بين الأقباط والمسيحيين السوريين والمسلمين من ناحية أخرى.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 18 أغسطس 1798.. بونابرت يحتفل بعيد "وفاء النيل" ويلقى عملات ذهبية والناس يلقون أنفسهم فى المياه
الإثنين، 18 أغسطس 2014 08:25 ص
نابليون بونابرت