لا أخفيك سرا عزيزى القارئ أننى ترددت كثيرا فى بداية كتابتى لهذا المقال فهل أبدأ بمقولة أحدهم ( جزا الله الشدائد عنى كل خيرا * تعلمنى عدوى من صديقى)؟
أم أبدأ مباشرة فى سرد ما دار بينى وبين هذا الشيخ الكبير سناً ومقاماً، فقد اختلطت عندى مشاعر الفرح والحزن وتلاطمت عندى هواجس عدة (تلاطم الأمواج يوم ريح عاصف)، فقد كنت استمع للشيخ (على) وهو هامة وقامة لمن لا يعرفه فهو من أسرة جبلت على فداء الوطن ونشأ فى قبيلة لها باع طويل فى الوطنية والذود عن تراب هذا الوطن وضحت بكل غالٍ ونفيس
وأبدأ بمشاعر الفرح التى غمرتنى وأنا استمع إليه فقد نقلنى بفكرى بل وكيانى كله إلى عصر جميل (عصر) لم نشهده ولم يعاصره معظم من على الساحة الآن لأنهم ببساطة من جيل الشباب الصاعد الواعد.
قابلت هذا الشيخ فى سيناء وما أدراك ما سيناء؟ حيث ملاحم النضال والذكريات، فقد رسم الزمان آثاره على وجهه الصبوح وكنت متوقعا أن يهد من عزيمتى بسبب ما عاصر من آلام وحروب بالتأكيد تركت عنده ذكريات مؤلمة
فإذا به يعطينى دفعة أمل لم أكن أتوقعها منه حيث إننى توقعت أنه يحمل من الذكريات المريرة فقد عاصر الحروب والأوقات العصيبة، إلا أننى فوجئت بشيخ يشع أملاً وحلماً لغد أفضل ومستقبل مشرق لوطن غالٍ
فعندما سألته عن ذكرياته وأحواله أثناء فترة الاحتلال الإسرائيلى لسيناء الغالية ودوره فى منظمة سيناء التى كان لها الدور المؤثر فى مساعدة القوات المسلحة المصرية لإعادة سيناء لحضن الوطن بعد نصر عظيم وهو نصر أكتوبر المجيد
فوجئت به يقول لى (لقد عشنا تسع سنوات وكأننا فى عصر الصحابة) ويقصد بالتسع سنوات الفترة من سبعة وستين حتى الجلاء التام بعد معاهدة السلام فبادرته بسؤال سريع على طريقة كتاب (كليلة ودمنة) فقلت له وكيف كان ذلك؟
قال أقصد يا ولدى بعصر الصحابة أننا ورغم ما مر بنا من أحداث جسام وما تحملنا من عدو غاصب جسم على صدورنا تلك السنوات العجاف إلا أننا توحدنا وكأننا أبناء رجل واحد فقد ساد التكافل بيننا بطريقة غير مسبوقة بكل المقاييس إلا فى عصر الصحابة فجمعنا ترابط قوى رغم أننا من قبائل عديدة ولكن هذا النظام القبلى ذابت حواجزه وعشنا كأسرة واحدة الجميع فيها يعطف على الجميع ولا ينتظر مقابل.
واستطرد قائلا "كان بيننا حنية عجيبة فكان الكل يبادر قبل السؤال وتراحم أراه الآن يتلاشى من المجتمع وكأننا عدنا إلى ما قبل الإسلام والصحابة".
فقلت له "معنى ذلك يا عماه أننا نتوحد فقط عندما نكون أمام عدو خارجى فقط أم أننا شعب فريد من نوعه توحده الأزمات" قال "يا ولدى صحيح الشعب المصرى مختلف عن غيره وفيه من الخير الكثير ولكن المصريين يحتاجون لصحوة فى كل شىء حتى التذكير بأصلهم الطيب وكيف كان آباءهم وأجدادهم ألم تسمع قول الله عز وجل فى سورة ( الكهف) على لسان بنى إسرائيل وهم يقولون لمريم رضوان الله عليها يقولون لها (يا أخت هارون) وهم هنا يذكرونها بأصلها الطيب ومقصدهم أنك بنت أصول فكيف أخطأتى (من وجهة نظرهم بالطبع) (أما مريم فهى الطاهرة النقية).
ومقصدى هنا أن هذا الشعب لابد من تذكيره بأصوله الطيبة وهو شعب الشدائد بحق فهو شعب يتوحد عند الشدة وينسى كل ضغينة ترسبت بينه وبين بنى جلدته فقد عاصرت ذلك بنفسى وشاهدت على الطبيعة كيف تكون الرجال وشاهدت بعينى رأسى والعدو الغاشم ينزع أظافر أحدهم حتى يغترف على أخيه المصرى وهو يأبى رغم ما به من ألم.
تركت هذا الشيخ الكبير وأنا أحلم حلمه بأن أرى بنى وطنى على قلب رجل واحد تاركين خلافاتهم السياسية والحزبية خلف ظهورهم عندهم مقصد واحد هو مصلحة مصر أولا ثم يحكم من يحكم، فالرجال تعرف عند الشدائد.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة