"مسجد ومضيفة وسوق" عناوين لأماكن تجمع بين أبناء عائلتى الدابودية وبنى هلال بأسوان، فليس من الغريب على أبناء أقصى صعيد مصر، الذين تجمعهم منطقة واحدة، أن يجتمعوا فى أيام تعود بهم إلى سيرتهم الأولى قبل أحداث الفتن التى وقعت بينهم مطلع شهر أبريل الماضى، وراح ضحيتها 25 قتيلا من الطرفين، ثم يأتى بعد ذلك عهد جديد من خلال مصالحة جاءت بمباركة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر وقيادات وكيانات الدولة، والتى سعت من الوهلة الأولى لإنهاء الصراع المسلح بين العائلتين.
جانب من الأهالى
ويرصد "اليوم السابع" فى تقريرها حالة أبناء عائلتى بنى هلال والدابودية، ومعايشة أحوالهم بعد إقرار المصالحة ووقف نزيف الدم بين الطرفين.
وأكد المهندس أحمد سيد كبير قبيلة بنى هلال، أن المضايف والدواوين الخاصة ببنى هلال تفتح أبوابها يوميا أمام الزوار من الدابودين وغيرهم من أبناء أسوان عامة، وهو نفس الأمر الذى شهدناه بمضايف أبناء "دابود" فى استقبالهم لأبناء بنى هلال وغيرهم من الأسوانيين، مشيرا إلى أنه عادة ما يذهب إلى لقاء الحاج عارف صيام كبير قبيلة الدابودية فى مضيفته ويتناول معه كوبا من الشاى والقهوة، ويتبادل أطراف الحديث كسابق عهدهم قبل الأحداث.
وأضاف المهندس سيد أن أبناء العائلتين ليسوا متفرقين حتى يفصل بينهما حاجز أو أسوار، فالطرفان يسكنان المنازل المتجاورة فى شارع واحد ضيق عليهما، وهناك وسائل أخرى تجمع أبناء العائلتين، ومنها مثلا التجارة التى تجعل من العاملين فى هذا المجال يفترشون الأسواق جنبا إلى جنب وتجمعهما مصالح مشتركة أحيانا فى التجارة وغيرها ، بالإضافة إلى ما يقوم به غالبية الشباب الهلالى فى العمل بمجال توزيع أسطوانات البوتاجاز إلى منازل الدابودية وبنى هلال أيضا، وفى مجال المخابز وصناعة أرغفة الخبز ويتم اصطفاف طوابير يختلط فيها الطفل والشاب والرجل الدابودى بالهلالى للحصول على رغيف الخبز.
مباراة المنتخب وكينيا
وأوضح كبير قبيلة بنى هلال أن طرفى النزاع جلسا مع فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر خلال اليومين الماضيين، وأسدل خلال الجلسة شيخ الأزهر، الإجراءات النهائية فى صلح قبيلتى الدابودية وبنى هلال بأسوان، بمساهمة من الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق رئيس جمعية مصر الخير، بالإضافة إلى تكفل جمعية الأورمان خلال توقيع بروتوكول بدفع مبلغ 3 ملايين و125 ألف جنيه، كدية مقدمة لأسر الضحايا المتوفين والبالغ عددهم 25، ونوع من المساهمة لأسر الضحايا.
ولفت إلى أن الاجتماع تناول آخر التطورات بعد إتمام مراسم الصلح النهائى بين الطرفين فى الثانى من شهر رمضان المبارك، ووضع كل البنود والشروط المتعلقة بالصلح، إضافة لروح المحبة والإخوة التى تجمع أهالى العائلتين بعد المصالحة، قائلا إن شيخ الأزهر أعرب عن سعادته لإنهاء الخصومة بين قبيلتى بنى هلال والدابودية، وإتمام المصالحة التاريخية بينهما.
جانب من الأهالى
وقال: "توجهنا بكلمات شكر وتقدير لفضيلة الإمام الأكبر - الذى قدم بنفسه الشكر للجنة المصالحة - والدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومحافظ أسوان، ومؤسسة مصر الخير، ومؤسسة الأورمان، وممثلى العائلتين"، كما أشاد بالجهد الذى قام به الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، من أجل إتمام المصالحة بين القبيلتين، كما وجه الشكر لكل من ساهم فى إتمام هذه المصالحة، داعيا أبناء القبيلتين إلى تصفية النفوس، وقرأ معهم الفاتحة على إنهاء المشكلة بتمامها وعدم الخوض فيها، داعيا الله تعالى ألا تتكرر هذه الأحداث المؤسفة على أرض مصر الطاهرة مرة أخرى، وأن يحفظ مصر وأهلها من كل سوء.
وتابع كبير قبيلة بنى هلال "أنهينا نقاطا وعلينا أن نكمل نقاطا أخرى، وقال "أتحدث بلسان حال الطرفين (هلاليا ودابوديا) أن هناك تقارير تعد وتبحث عن أسباب الأزمة التى حدثت وأدت إلى استخدام السلاح وسقوط عشرات الضحايا، ولعل أبرز ما تم استنتاجه حتى الآن هو أن البطالة هى العامل الرئيسى فى ظهور العنف خاصة بين الشباب، الذى أصبح عائلا على أسرته وليست هناك منافذ مفتوحة يسعى إليها، لذلك نطالب الدولة بمؤسساتها ومسئوليها بالعمال على إقامة مشروعات منتجة للشباب العاطلين وتوفير فرص عمل فى القطاعات المختلفة بمحافظة أسوان، مما يعود بالمنفعة العامة للوطن".
مؤتمر للصلح بين القبيلتين
وتعجب المهندس أحمد سيد من قرار الإحالة التى اتخذته النيابة والذى شمل نحو 163 متهما من بينهم 6 ينتمون لقبيلة بنى هلال وأعضاء فى لجنة المصالحات، مطالبا المستشار هشام بركات النائب العام بإعادة النظر فى التحقيقات بما يكفل الحق فى تطبيق القانون على المتسببين الحقيقيين فى الأحداث وإخلاء سبيل ممن لم يشارك أو يحرض على القتل فى الأحداث.
وتحدث الحاج عارف صيام كبير قبيلة الدابودية، لـ"اليوم السابع"، عن التفاعل الجم الذى يجمع بين أبناء قبيلته وأبناء قبيلة بنى هلال، مشيرا إلى أن المساجد وساحات الصلاة ظلت تجمع المسلمين من العائلتين لأداء فريضة من فروض الله، عز وجلّ، دون تفرقة أو عنصرية كما يدعى البعض.
وأشار عارف صيام إلى روح الإخوة الواحدة التى تجمع حتى بين نساء وزوجات العائلتين، حيث تقوم بعض السيدات من الدابودية بصنع وخبز أرغفة خبز بلدية منزلية وإعطائها لنساء وأزواج الضحايا من بنى هلال، والعكس أيضا يحدث من قبل نساء بنى هلال.
جانب من المؤتمر
فيما طالبا كبيرا قبيلتى الدابودية وبنى هلال أيضا من وسائل الإعلام تحرى الدقة فيما ينشر على الناس، وعرض مجموعة من الصور للقتلى فى العائلتين مما يثير حفيظة ذويهم وأسرهم، وقد تحدث أزمات نفسية كبيرة لدى أولياء الدم فى الطرفين بعد استرجاع ذكريات المتوفى عنده عقب مشاهدته صورة له وهو يمثل بجثته على الإنترنت ومواقع الأخبار والصحف.
وفى السياق ذاته أكد اللواء مصطفى يسرى محافظ أسوان، أن ظهور عدد من أطفال قبيلتى بنى هلال والدابودية فى أرض ملعب استاد أسوان، بصحبة لاعبى المنتخب الوطنى أثناء لقائه مع منتخب كينيا وديا، مساء السبت الماضى، بأن الصلح هو رسالة سلام نقدمها إلى العالم للتأكيد على أن أسوان هلى بلد الأمن والأمان، وأن ما حدث كان عبارة عن خلافات مؤقتة.
وأضاف المحافظ أن أسوان تسعى من جانبها لاستغلال هذا الحدث وتضع أسوان على الخريطة السياحة الرياضية من خلال تنظيم المزيد من البطولات والمحافل الرياضية على المستوى الدولى والأفريقى والمحلى، وحتى تؤكد بأن ما وقع بين الدابودية وبنى هلال هى فتنة بينهما ونجحت جهود المصالحة بمباركة شيخ الأزهر فى تقريب وجهة النظر بين الطرفين من خلال إتمام المصالحة بين العائلتين فى أوائل شهر رمضان المبارك.
مؤتمر للصلح بين القبيلتين
وقدم محافظ أسوان، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، الشكر والتقدير للرئيس عبد الفتاح السيسى والمستشار عدلى منصور والمهندس إبراهيم محلب ووزارات الدفاع والداخلية والتنمية المحلية والأوقاف، تقديرا لدعمهم ومساندتهم لاحتواء الموقف منذ مطلع أبريل الماضى، مؤكدا أن توجيهاتهم المباشرة ساهمت لإتاحة كل الإمكانيات الحكومية والأمنية، بجانب تنمية وتطوير المنطقة التى شهدت الأحداث، لافتا إلى أن ذلك توازى مع الرعاية الكريمة والمتابعة الدءوبة للموقف أول بأول من فضيلة الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الذى كان على اتصال دائم بلجنة المصالحة ليثبت الأزهر الشريف بأنه منارة التنوير، والحصن المدافع عن أرض الكنانة من خلال سعيه الكريم لإخماد نار الفتنة وحقن الدماء ومواجهة الإرهاب والتطرف فى كل شبر من أرض مصر.
وناشد مصطفى يسرى أهل أسوان بمختلف أطيافهم بضرورة التكاتف والتماسك، فيما بينهم لمواجهة الفتن والإشاعات والدعوات الهدامة من أجل الحفاظ على محافظتهم العريقة، خاصة أن أسوان فى أمس الحاجة إلى الأمن والاستقرار، ولكل يد تبنى وتعمر لتعود لسابق عهدها كقبلة للسياحة العالمية وقلعة للصناعة المصرية وملتقى للحضارات والثقافات والفنون.
جانب من مؤتمر للصلح بين القبيلتين
واعتذر المحافظ لكل سيدة أو فتاة أو طفل أو شيخ كبير واجه الترويع والخوف من هول الأحداث المؤسفة بين القبيلتين، خاصة أن ما حدث يتعارض مع ما توارثه أهل أسوان من أجدادهم على مر التاريخ من الطيبة والسماحة والبشاشة والتماسك والعفو والكرم، مؤكدا فخره واعتزازه بوعى وحكمة وصلابة أولياء الدم وكبار قبيلتى الدابودية وبنى هلال على وعيهم وحسهم الوطنى الصادق ليعطوا القدوة والمثل بأن نبذ العصبية والقبلية والعنف هو السبيل الوحيد لنعيش جميعا فى مجتمع آمن لا يعرف الخوف على حياة ومستقبل أبنائه، لأنه بالتكاتف والترابط نستطيع عبور أى أزمات مهما كان قسوتها وآلامها، خاصة عندما نتمسك بقيمنا وتعاليمنا الدينية السامية لنثبت أن ما حدث بعيد تماما عن الصورة الحقيقية لطباع أهل أسوان الذين أكدوا بهذه المصالحة النهائية بصدق ما يعرف عنهم.
وأكد المحافظ ضرورة التكاتف والعمل بجدية وبشكل ممنهج على وضع برامج توعيه مكثفة لأبنائنا وشبابنا سواء من داخل الأسرة والعائلة أو على مستوى كل الهيئات الدينية والتعليمية والشبابية والإعلامية والسياسية والحزبية والنقابية، بالإضافة إلى المجتمع المدنى لإرساء ثقافة الحوار والتكاتف بدلا من العنف والعصبية والقبلية لحماية المجتمع من الصراعات والمواجهات التى تهدد كيانه واستقراره، وبالتالى ستؤثر سلبيا على توفير فرص العمل والمعيشة الكريمة من خلال تعطيل الجهود الحكومية المبذولة لعودة السياحة وإقامة المشروعات الاستثمارية والتنموية.
وأشار إلى أن ذلك يتطلب بدوره التماسك والترابط والتعاون وإعلاء مبادئ المصالحة ولم الشمل، وهو ما نراه واقعا ملموسا فى إتمام الصلح بين أبناء الدابودية وبنى هلال.
وأشاد مصطفى يسرى بالجهود المبذولة من لجنة المصالحة لسعيهم الدءوب والمتواصل لرأب أى صدع يحدث هنا أو هناك من أجل خلق مجتمع آمن يسود فيه السلم الاجتماعى وأواصر المحبة والوئام وهو الذى يتوازى مع الجهود المبذولة من رجال الشرطة والقوات المسلحة لبسط الأمن والأمان فى كل ربوع المحافظة، مؤكدا افتخاره واعتزازه بوعى وحكمة وصلابة أولياء الدم، مما يعكس وعــيهم وحسـهم الوطنى الصادق لتظهر معادن الرجال ومواقف الشرفاء الذين أعطوا القدوة والمثل بأن نبذ العصبيـة والقبليـة والعنف هو السبيل الوحيد لنعيش جميعا فى مجتمع آمن لا يعرف التفرقة والخوف علـى حيـاة ومستقبل أبنـائه، لأننـا بالتكاتف والترابط نستطيع عبور أى أزمات مهما كانت قسوتها وآلامها.
كما قدم محافظ أسوان شكره لفضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب على رعايته ومتابعته لإتمام هذا الصلح، ليبقى الأزهر الشريف دائما أمد الدهر منارة الإسلام ومنبر الخطاب الدينى الوسطى والراية الوطنية المخلصة التى تجمع ولا تفرق، لأنه - بحق - الحصن المنيع أمام الرياح المسمومة للإرهاب والفتنة والعنف، مما يساهم فى تقوية دعائم الجبهة الداخلية والحفاظ على مقدرات الوطن وأرواح المصريين، مطالبا الجميع بأن يكون على قدر المسئولية لأننا نعيش فى مرحلة نحتاج فيها إلى التماسك والتلاحم ونبذ الخلافات، وأن أسوان تحتاج إلى كل يد تزرع وتحصد وتبنى وتعمر لنحقق كل ما نصبوا إليه من آمال وطموحات.
وأكد الدكتور منصور كباش رئيس لجنة المصالحة أن أسوان على مر التاريخ اشتهرت بالسلام وكان لهذا الحدث المفاجئ والذى لا يمكن تصور حدوثه للعائلتين صدمة مؤلمة للجميع، مما حدا بالاستجابة بسرعة كبيرة والتدخل من قيادات الدولة، فتم العمل على قدم وساق لاحتواء الموقف فى أيامه الأولى ووقف نزيف الدم والسعى الحثيث نحو ترميم الخسائر النفسية والمادية التى تعرض لها كل منهم على حدة، فكان توزيع الأدوار والتخصصات، لافتا إلى أن اللجنة رأت ومعها الجميع من الطرفين حصر المشكلة فى مكانها بمنطقة السيل الريفى بين عائلات متجاورة تعيش سويا منذ سنين طويلة وعدم امتداد هذا الخلاف خارج هذا المكان تحت أى ظرف.
مؤتمر للصلح بين القبيلتين
وطالب كباش الأطراف المعنية من العائلتين الدابودية وبنى هلال بتحمل المسئولية الكاملة نحو تحقيق واستقرار السلام داخل محافظة أسوان، حيث إن خدمة السلام أشق وأصعب وتحتاج إلى جهود مستمرة ليلا ونهارا.
ومن ناحيته أشار السيد الإدريسى رئيس الرابطة العالمية للأدارسة الأشراف، وعضو لجنة المصالحة بين الدابودية وبنى هلال، إلى أن كلا من الطرفين فوض اللجنة لاتخاذ القرارات اللازمة بخصوص شكل الصلح، وإتمامه.
وفى المقابل، تقدم هانى يوسف بهلول منسق الاتحاد النوبى العام، بطلب لمساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان يطلب فيه نقل الشباب النوبيين، وأيضا الهلاليين من سجن قنا إلى سجن الشلال بأسوان، بسبب المعاناة التى يتكبدها أهالى وأسر المحبوسين فى السفر لأكثر من 4 ساعات لزيارتهم داخل السجن، مؤكدا أن العملية شاقة على الأهالى والشباب من الناحية المادية والنفسية، مطالبا بتخفيف نفسى ومادى على الأهالى فى الطرفين.
الدابودية وبنى هلال "سمن على عسل".. "اليوم السابع" تعايش مع أبناء القبيلتين بعد الصلح.. أطفال العائلتين يصاحبون لاعبى المنتخب فى افتتاح استاد أسوان.. والمحافظ: رسالة تأكيد للعالم على أمان مصر
الإثنين، 01 سبتمبر 2014 06:41 م
أهالى الدابودية وبنى هلال بأسوان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة