لاشك أن أضرحة أولياء الله الصالحين، تشكل اهتمامًا كبيرًا عند الكثير من الناس، الذين يعتقدون فى كرامتها، ويصدقون أنها ستحقق لهم ما يبتغون، فيترددون عليها، للتبرك بها.
ويقصد بالضريح مدفن سلطان أو أمير أو رجل صالح أو أى إنسان آخر له مكانة تدعو إلى تخليد ذكراه، وتعلو بناء الضريح عادة قبة تختلف عن قباب الأبنية الدينية والمدنية الأخرى.
وفى مصر الكثير من المقابر لـ آل البيت والصحابة والأولياء الصالحين، بعضها قبور حقيقية وأخرى وهمية، وثالثة تنسب لغير أصحابها.
فى القاهرة يوجد عدد كبير من الأضرحة الشهيرة، التى تجذب آلاف المريدين، فيقصدونها للتبرك بها، وطلب الشفاعة لهم عند الله، منها ضريح الإمام الحسين، والسيدة زينب وعائشة وسكينة ونفيسة، وأضرحة الإمام الشافعى، والإمام ابن حجر العسقلانى، وضريح الصحابى عقبة بن عامر، والصحابى مسلمة بن مخلد الأنصارى.
وبالقرب من جامع الأزهر سنجد ضريح يحيى بن عقبة، أحد رواة الحديث، وملاصق به ضريح الصوفى الشهير أحمد أبى البركات الدردير.
ونجد أيضًا ضريح الصحابى سارية بن زنيم المعروف بــ"سارية الجبل"، فى قلعة محمد علىّ، وفى جبل المقطم نجد قبر ذو النون المصرى الصوفى المشهور، وأول من أخرج علم الصوفية، وبالمقطم أيضا ضريح عمر بن الفارض العالم الكبير، وضريح الصحابى عبد الله بن عمرو بن العاص، كذلك ضريح عقبة بن عامر رضى الله عنه بالمقطم بجانب عمرو بن العاص.
وفى كل هذه الأضرحة نجد عاملا مشتركا يجذب الناس إليها، إذا أنه مع الوقت أصبح لها مريدون، يعتقدون فى كرامات أصحابها بأشياء تفوق الخيال، فأصبحت قبلة للبسطاء، والجهلة أيضًا، وتحولت لبوابة سحرية لثراء القائمين عليها، الذين يستغلون جهل مُريديها، ويروجون لكرامات المدفونين بها.
وبعيدًا عن الصوفية بمعناها التعبدى لله، فقد تحولت ممارسات بعض الطرق الصوفية والموالد وأضرحة "أولياء الله الصالحين" فى مصر إلى خرافات وشعوذة وتجارة، وبعد أن كنا نرى الأفلام السينمائية –وهى مرآة كل عصر- تصور الأشخاص وهم يتخذون من الضريح وسيطًا لله، ويجلسون بجواره يتعبدون، ويزرفون الدموع، لعل الله يسامحهم، وهو مظهر بالطبع يعبر عن صفة الجهل المنتشرة آنذاك، إلا أنه كان على الأقل يتخذ صبغة دينية.
وليس هذا كل شىء، إذ تمتد البدع والخرافات فى هذه الأضرحة، حد الاعتقاد بأن كرامات صاحب هذا الضريح قادرة على شفاء العظام، وتلك قادرة على شفاء العقم، فهناك ضريح باسم "راكب الحجر" فى شمال القاهرة بجوار بئر مخصص لعلاج العقم فقط، حيث يطلب من النساء الدوران حوله سبع مرات لشفائهن من العقم بخلافات طلبات مادية أخرى.
وهذه الاعتقادات ليست حديثة اليوم أو أمس، بل تدب فى عمق التاريخ، ففى وقت ما أطلق الوجدان الشعبى خياله الواسع لإبراز مدى التقديس الروحى الذى أحاط بجبل المقطم، وأضف إلى ذلك شيوع العديد من الأخبار عن معجزات وكرامات تنسب إلى عدد من المدفونين به، ويعرض المقريزى فى باب ذكر جبل المقطم، العديد من السمات الأسطورية التى ربما كانت متداولة بين الناس، ومع تعدد الرواة عبر الزمن، اختلط الخيال بالواقع بالحقيقة، حتى وصلت إلينا أخبار الجبل بها العديد من المبالغات تصل إلى حد الدهشة والغرابة.
ومن هذه الأخبار التى وصلتنا أن جسد الميت الذى يدفن فى الجبل لا يبلى إلا بعد وقت طويل، كما اعتقد الخيال الشعبى، أن الذين يدفنون تحت جبل المقطم يدخلون الجنة بلا عذاب ولا حساب يوم البعث، هذا إضافة إلى أن الناس اعتقدت أنه إذا مرض أحدهم مرضًا شديدًا، ونام سبعة أيام فى ظل جبل المقطم يشفى.
وغير ذلك، فقد نجد ضريحا وهميا، لا يوجد بداخله شىء، وأحيانًا يوجد بداخله رجل عادى، أو طفل، وفى بعض الأحيان يكون حمارًا أو كلبًا، وقد أكدت العديد من الدراسات أن المصريين ينفقون مبالغ طائلة من أجل رضا الولى أو القديس صاحب الضريح، وفى الموالد التى تقام لأصحاب هذه الأضرحة.
ولاشك أن آلاف الأضرحة الوهمية قد تحولت لقبلة دائمة للجهلة والبسطاء بفضل حملة دعائية ضخمة روجت لها المافيا القائمة عليها، بل إن موالد عقدت لشخصيات مثيرة للجدل دون الحصول على تصاريح رسمية سواء من أجهزة الأمن أو من المجلس الأعلى للطرق الصوفية، وأصبح هذا الدجل أسواقا تجارية لتحصيل الهدايا والنذور سواء المادية أو العينية التى يقدمها مريدو هذه الأضرحة لخدامها سعيًا للتبارك بها، ورغبة فى تحقيق أمنياتهم، بالتقرب لأصحاب الأضرحة الوهمية.
وكما رأينا مثلا مؤخرًا فى مسلسل "السبع وصايا" الذى عُرض فى شهر رمضان الماضى، إذ كانت الناس تشد الرحال لضريح "السيد نفيسة" تتوسل إليه، وتضع به بعض العملات النقدية، وبعض النذور لاسترضائه، وفى الأساس كان القبر فارغًا، استغلت إحدى الشخصيات جهل وبساطة الناس فى إقناعهم بأنه ضريح لشخص يعتبر قديسًا، والمسلسل ليس محض خيال أو مصادفة، إنما عبر عن ما يحدث فى الواقع من حولنا.
ولأن مافيا الأضرحة الوهمية، يرونها تجارة مربحة لكل من يرتبط بها، فهناك حرص على تنمية هذه التجارة عبر الترويج لـ"كرامات" أولياء هذه الأضرحة وأهميتها بين الجهلة وضعاف الدين، والمحبطين، والعاطلين والباحثين عن حلول لمشكلاتهم المستعصية حتى أصبح أكثر زوار هذه الأضرحة والموالد والمشعوذين هم من الطبقات الغنية والمتعلمة أيضًا.
وفى دراسة للباحث عمرو توفيق نشرت على موقع "الصوفية" عن البدع فى هذه الموالد، قالت إن سر انتشار هذه الموالد والأضرحة وتبرك الناس بها يرجع - مع تقادم الزمن - لتخلِّى بعض العلماء عن مهمته، فانحرفت فئات من المسلمين عن الطريق، وزيَّنت لهم شياطين الإنس والجن ما لم يُنزِل به الله من سلطان، مثل تقديس القبور والأضرحة واتخاذها واسطة للتقرُّب إلى الله عز وجل، وصرف صنوف من العبادة لها مثل: الذبح والاستغاثة والتوسل.. إلخ.
وتتعاظم الخطورة مع إقامة الاحتفالات السنوية عند هذه القبور فيما يسمى بظاهرة "الموالد" حيث تجتمع الانحرافات السلوكية والمظاهر البدعية والشركية فى وقت واحد.
ويرصد عالم الاجتماع الراحل الدكتور سيد عويس فى كتابه "موسوعة المجتمع المصرى"، "أن مصر تضم حوالى 2850 مولدًا للأولياء الصالحين، يحضرها أكثر من نصف سكان الدولة"، ولا يتقيد أهالى كل قرية ومدينة بوليهم المحلى، حيث أسقط المصريون حاجز المكان، بتوجه سكان أسوان إلى طنطا للاحتفال بمولد "السيد البدوى"، وبتوجه سكان الإسكندرية للاحتفال بمولد "سيدى أبو الحجاج" بالأقصر، وسكان حلوان للاحتفال بمولد القديسة دميانة بالبحيرة، وسكان البحيرة للاحتفال بمولد سيدى مار برسوم العريان بالقاهرة.
موضوعات متعلقة
اليوم.. محمود ياسين التهامى يحيى الليلة الختامية لمولد"جلال السيوطى"
الطرق الصوفية بالغربية تحتفل الجمعة لمدة أسبوع بمولد إبراهيم عمار
"تجارة الخرافات".. الأضرحة من قبلة للبسطاء.. إلى سبوبة أحياء على جثث موتى.. أضرحة وهمية لحيوانات يقصدها البعض للتبرك بها..عطايا وذبائح وأموال يمنحها الغافلون للمستغلين لنيل "الكرامات"..وبمصر2850 مولدا
الجمعة، 12 سبتمبر 2014 02:04 م
زوار ضريح - أرشيفية