لماذا أصبح أمل كل شاب لديه القدرة على الابتكار والاختراع والتزود من العلم وتحقيق ذاته والشعور بكينونته أن يسافر للخارج وتحديدا إلى أمريكا أو كندا أو بريطانيا، حتى يحقق ما يتمناه، ولماذا لا يفكر فى الهجرة إلى الداخل؟ أو الاستقرار فى بلده؟
ومعظم الذين يسافرون على نفقتهم وبمحض اختيارهم لا يعودون إلى الوطن الأم إلا زائرين وربما تزوجوا هناك من أجنبية، أما الذين يسافرون على نفقة الجامعات فى بعثات دراسية فبعضهم يتم إغراؤهم بالبقاء من أجل تحقيق الذات فيقطعون صلتهم بالجامعة التى أرسلتهم ويمكثون فى بلاد لا يشعرون فيها بالغربة العلمية ولكن يعانون من مرارة الغربة الاجتماعية والأسرية.
غير أن الحرية الفكرية والإنفاق ببذخ على أبحاثهم فى هذه الدول والتعاون والتعاضد بينهم وبين العلماء أمثالهم من الجنسيات المختلفة تنسيهم إلى حين هذه المرارة، ولدينا حوالى 86000 عالم مصرى فى الخارج، ممن سافروا ولم يعودوا والذين يحلو لنا أن ننعتهم دائما بـ(الطيور المهاجرة)، وهؤلاء فى الواقع يجدون من الوطن الأم كل الاحترام والتبجيل لدرجة علو أصوات بعضنا بتوجيه النداءات المتكررة إليهم أن عودوا إلى بلدكم وكفاكم غربة واغترابا، مع أنى أرى – ومن وجهة نظرى الشخصية - أن هؤلاء المصريين العاملين فى الخارج يمكن أن يخدموا وطنهم الأم من خلال تواجدهم الدائم فى بلدهم الثانى الذى تجنسوا بجنسيته وانخرطوا فى دوامة العمل الدائب فيه وأن عودتهم قد تعنى ذبول قريحتهم وانطفاء جذوة العطاء لديهم لأن الطبع يعدى وآلة العمل عندنا مازالت بطيئة، والعقاب موجود وجاهز وسريع، والثواب مؤجل دائماً، عكس ما ألفوه هناك، ثم أن الغربة ليست فى البعد المكانى عن الوطن فقد يكون الإنسان غريبا وهو فى داخل وطنه إذا لم يجد التقدير المناسب أو الاستخدام الأمثل لطاقاته وإبداعاته والعكس دائما صحيح، فقد يشعر بمصريته ويزداد حبا لبلده وهو بعيد عنها لأنه يكون فى هذه الحالة راضيا عن نفسه وعما يقدمه للبشرية.
فليبق إذن أبناؤنا حيث هم موجودون ولكن ما نطلبه منهم أن يحولوا جزءا من مدخراتهم إلى بلدهم الأم على أن تشجعهم الحكومة وتؤمن مدخراتهم، وأن يتعاونوا مع إخوانهم فى الداخل على نقل التكنولوجيا الحديثة، ثم نعمل نحن هنا على تشجيع العقول المصرية الشابة على الهجرة إلى الداخل عن طريق تهيئة المناخ المناسب لنموها وترعرعها بتكوين بيئة علمية وادارية مشابهة لما يجده أبناؤنا فى الخارج ويؤدى إلى تفوقهم، وهذا ما يفعله الآن بعض نسورنا المهاجرة ومنهم العبقرى الدكتور مجدى يعقوب جراح القلب الأشهر والدكتور أحمد زويل فى قريته العلمية وما يقدمه الدكتور فاروق الباز من خبرة جيولوجية بالاستشعار عن بعد والكشف عن أماكن توفر الماء بالصحراء والمعادن الأخرى مما سيساعد على إقامة مجتمعات عمرانية جديدة تستوعب المد السكانى المتنامى وتعالج زحام القاهرة.
أما عن العقول التى آثرت الهجرة إلى الداخل وتنتظر فرصة المشاركة فى بناء مصر فدعونا نتوجه إليها نرويها تشجيعا وثقة ومؤازرة مادية ومعنوية وسوف نرى مع الأيام كيف ستكون مصر، بعقول وسواعد أبنائها.
د.سمير البهواشى يكتب: هؤلاء يستحقون المؤازرة المادية والمعنوية
السبت، 13 سبتمبر 2014 02:08 ص
ورقه وقلم - صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة