"إذا تجولنا فى الصفحات الخاصة بالنشطاء وغير النشطاء، على مواقع التواصل الاجتماعى فيس بوك مثلا، بصفته الأكثر انتشارا وتشييرا لمنشوراته، سنجد مرضا عضالا قد تفشى فى الجميع بعد ثورة يناير بقليل، سواء كانوا إسلاميين أو ليبراليين أو علمانيين أو من أى جهة كانت، فهذا المرض لم يفرق بين أخوانا وليبراليين وسلفيين وعلمانيين، تفشى فى الجميع إلا من رحم ربى منهم.
فنجد ونحن نتجول فى هذه الصفحات، تحذيرات من المؤيدين للمجلس العسكرى مثلا أو مؤيدى المخلوع، إلى الثوار عموما إسلاميين وغير إسلاميين، بعدم التواجد فى صفحاتهم وإلا طالهم العقاب الأعظم فى الفيس بوك إلا وهو البلوك.
وتجد أيضا نفس التحذير، يوجهه شباب التيارات الأخرى أو غير المؤدلجة الكارهة للإسلاميين، إلى الإخوان والسلفيين ويطالبونهم بالخروج من جنان صفحاتهم، وإلا طالهم العذاب الأليم إلا وهو البلوك بالطبع.
وأيضا تجد شباب الإخوان والسلفيين وغير المؤدلجين الكارهين للتيارات الليبرالية، ينتهجون نفس النهج أيضا، ويطالبون الآخرين بالخروج من صفحاتهم.
كل هذا غير الحملات الفيسبوكية، التى تطالب بحذف القنوات الإسلامية من مستقبلات الدش لديهم، والتى تم غلق معظمها رسميا بالفعل، مقابل حملات أخرى تدعو إلى حذف القنوات المؤيدة للجانب المضاد للإسلاميين، من مستقبلات الدش لديهم أيضا.
وهكذا الحال والتعامل عند كل الشباب من جميع التيارات، إلا من رحم ربى منهم كما ذكرت سلفاً.
بالعربى الفصيح وعلى بلاطة، كلنا نريد أن نعيش داخل قوقعة لا نجد فيها إلا من يوافقنا فى الرأى مائة فى المائة، ولو انخفضت هذه النسبة واحد فى المائة عند احدهم إذن فليبحث له عن قوقعة أخرى تناسبة يندمج فيها، أصبحنا لا نقبل الاختلاف، حتى لو ادعينا مرارا وتكرارا أننا من أنصار حرية الرأى، فأصبحت هناك قوقعة للإخوان وقوقعة للسلفيين وأخرى لليبراليين ورابعة لليساريين، أصبحنا نعيش فى مجتمع متقوقع منغلق على نفسه، لا يريد أن يسمع إلا صوته ولا صوت ولا رأى يعلو فوق رأيه.
وستظل هذه المشكلة تعرقل تقدمنا مهما حاولنا ومهما صنعنا من ثورات ومظاهرات وهتافات، ومهما فكرنا لأن كل تفكيرنا سينصب فقط داخل القوقعة، التى نحيا بها والتى لا نريد أن نخرج منها، إلى الفضاء الواسع الذى يشمل الجميع بلا استثناءات. فإذا أردنا النجاح وتحقيق ما نتمناه لنا ولهذا الوطن، أن نكسر هذه الحواجز، وأن نخرج إلى العالم، وأن نتحاور مع الجميع ونختلف مع الجميع، ولكن بدون سباب أو تكفير أو عنف فلن تحل مشاكلنا إلا بالحوار، وأن نحاول أن نستكشف وجهة النظر الأخرى وان نضع أنفسنا مكان الآخر، حتى نرى الصورة كاملة وليست من زاوية واحدة، ومهما كان تطرف الآخرين فلا تواجههم إلا بالفكر، فالفكر لا يواجه بالسلاح أو بالسب والقذف، فإن كان الآخر متطرف دينيا فيجب أن تحاوره حتى تعرف وجهة نظره لأنه فى النهاية ينتمى إلى فكر معين ولن تستطيع إقصاؤه إلا عن طريق فكرك، وينطبق الحال أيضا على العلمانيين وحتى الملحدين، فمواجهتم بالشتائم وبالقوة لن تجعلهم يعودون للإيمان مرة أخرى، ولكنها ستجعلهم أكثر تعنتا وسيرا على طريقهم، ويجب أن تحاورهم حتى تكشف لهم ضلالهم ويعودوا مرة ثانية إلى رشدهم.
يا عزيزى كلنا متقوقعون فى هذا المجتمع، فإن لم نكسر هذه القواقع ونحطم الحواجز فيما بيننا، فليس من حقنا أن نحلم بالتقدم أو حتى بالعيشة الكريمة والحرية والعدالة الاجتماعية، ولن تتجاوز هذه الكلمان كونها مجرد شعارات وهتافات".
صورة ارشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة