صدر حديثًا عن المركز القومى للترجمة كتاب "الخطاب والسلطة" للعالم الهولندى الشهير توين فان دايك، وترجمته الباحثة العراقية غيداء العلى، وراجعه الدكتور عماد عبد اللطيف، الباحث الزائر بجامعة كمبريدج، والأستاذ المشارك بجامعة قطر.
ترجع أهمية ترجمة هذا الكتاب – بحسب المقدمة التى كتبها الدكتور عماد عبد اللطيف للترجمة العربية - إلى وجود قلة نسبية فى الكتابات المعنية بتحليل الخطاب، فى المكتبة العربية، فعلى الرغم من أن السنوات القليلة الماضية شهدت تزايد الاهتمام بدراسات الخطاب، فما تزال الكتابات المترجمة والمؤلفة فى هذا الحقل محدودة كمًّا وكيفًا على المستوى العربى، وذلك على الرغم من التأثير الهائل الذى يمارسه هذا الحقل المعرفى فى الدراسات الإنسانية والاجتماعية المعاصرة، والنتاج الأكاديمى المذهل فى تنوعه وثرائه فى لغات أخرى، خاصة الإنجليزية.
ولسد هذه الفجوة - خاصة فى ظل ضعف اتصال كثير من الباحثين العرب بالكتابات الأجنبية مباشرة - من الضرورى التصدى لترجمة الكتابات المؤسسة فى تحليل الخطاب، ومن بين هذه الأعمال تأتى بالطبع، كتابات فان دايك.
ويمكن القول إن كتاب "الخطاب والسلطة" يُعد اختيارًا جيدًا للتعريف بمساهمات المؤلف فى دراسة الخطاب، فالكتاب الذى يتكون من عشر مقالات، يضم دراسات محورية كان لها تأثير فى مسار تحليل الخطاب على مدار عقدين من الزمان، كما أنه يكشف عن تطور أدوات فان دايك ومنظوراته ومصطلحاته وانشغالاته على مدار هذه الفترة.
إضافة إلى ذلك يرى الدكتور عبد اللطيف أن الكتاب يُعالج جملة من القضايا الاجتماعية -الخطابية المهمة، ويمكن حصر الموضوعات التى ينشغل بها فيما يأتى:
أولاً: العنصرية: وعلى وجه التحديد، التمييز والتحيز ضد الأقليات العرقية (مثل السود والمسلمين....، وضد المهمَّشين "المرأة، الفقراء....".
ثانيًا: التلاعب السياسى: وعلى وجه التحديد، كيف تبرر الأنظمة الحاكمة عدوانها على شعوب ودول مستضعفة؟ وكيف تحاول إضفاء الشرعية على الحروب غير العادلة؛ كما هو الحال فى الاحتلال الأمريكى للعراق، المدعوم من بعض الدول الغربية؟
ثالثًا: الهيمنة: وعلى وجه التحديد، كيف تُمارَس الهيمنة فى فضاءات السياسة والإعلام والتربية..إلى آخره؟ وما دور الخطاب فى إنجاز الهيمنة، ومقاومتها؟ وما الأدوات التى يُمكن أن تُسهم فى إنتاج خطاب سياسى وإعلامى وثقافى وتربوى خالٍ منها؟
كما يقدم الكتاب إسهامات نظرية مهمة، تهدف إلى تطوير العدة النظرية لدراسات الخطاب، وعلى وجه التحديد، فإن فان دايك يوظف فى مقاربته للخطاب مفاهيم إدراكية وتفاعلية بهدف تحقيق فهم أفضل للعلاقة بين الخطاب والمجتمع.
وفى إطار هذا الفهم يتوجه الاهتمام أساسًا إلى عمليات التفاعل المحيطة بالخطاب، وعمليات معالجته فى الذهن، ويُعد هذا الاهتمام بالأبعاد المعرفية والتفاعلية للخطاب من أهم خصوصيات مقاربة فان دايك للخطاب، وربما يكمن وراء تسميتها بالمقاربة الاجتماعية الإدراكية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة