"اللهم صن لى قوتى وزدنى منها لأجعلها فى خدمة عبادك الصالحين"، هذا هو الدعاء الذى أنهى به الراحل نجيب محفوظ روايته الأشهر "الحرافيش"، والذى كان يردده بطل روايته "عاشور الناجى" الذى قام بتجسيد شخصية الفتوة فى العديد من الأعمال السينمائية، فقد قدم محفوظ وصفا دقيقا لهذه الشخصية التى كان لها تواجد كبير فى مصر لفترات طويلة واستطاعت أن تحتل مساحة من التاريخ، ليس فقط لكونها كثيرة بل لأنها استطاعت أن تلعب دورا مهما فى كثير من الأماكن الشعبية فى القاهرة فقد كانت الحماية للفقراء من استبداد الأغنياء.
"فتوة" هذه الكلمة الذى تغير وقعها على الأذن خلال سنوات طويلة، كانت قديما إشارة للرجولة والقوة والعدل، أما الآن فقد أصبحت هذه الكلمة مرادفة لكلمة "بلطجى" أى خارج عن القانون، "الفتوة" والتى تعنى فى المعاجم العربية الشباب بين طورى المراهقة والرجولة، أما فى المعجم الوسيط فقد ترادفت معنى هذه الكلمة بمفاهيم الرجولة والشجاعة والإقدام، وعلى الرغم من كل هذه الأدلة إلا أن السنوات الطويلة والمتغيرات التى مرت بها مصر كان لها تأثير واضح على تغيير الكثير من المفاهيم وتغير رمز الفتوة بنبوته رمز القوة والشجاعة إلى بلطجى يحمل "سلاح أبيض" شاهره فى وجوه المارة لإرعابهم لا لحمايتهم.
10 قصص مليئة بالتفاصيل المشوقة سردها محفوظ فى روايته الأشهر "الحرافيش" يحكى فيها عن زمن "الفتونة" الجميل، الذى ولى ورحل مع رحيل مؤرخهم نجيب محفوظ الذى وضعهم فى مكانهم الصحيح، عاشور الناجى فى فيلم "التوت والنبوت" أحد أشهر الشخصيات التى تجسد شخصية الفتوة والتى قدمها الفنان "عزت العلايلى" ببراعة عكس خلالها أخلاق وشهامة الفتوة فى قدرته على حماية الفقراء واسترداد حقوقهم المنهوبة، السينما وروايات نجيب محفوظ ما كانت إلا انعكاس للواقع معبرا عن قصص أكثر الفتوات شهرة فى تاريخ المحروسة.
شوارع المحروسة التى لم تعد تعرف عن الفتوة شيئا سوى ما يحكى فى الروايات ويعرض بالأعمال السينمائية، "محمود الحكيم" أحد أشهر الفتوات فى منطقة الغورية والذى كان مدافعا عنها لسنوات طويلة فى زمنا قد مضى، فكما كان فى الغورية الحكيم كان بالسيدة زينب فتوة المنطقة "عفيفى القرد"، الذى استطاع أن يحفظ الأمن ويكون هو الدرع الواقى للمنطقة فخلد اسمه عبر التاريخ والذى تظل ذكراه فى حوارى منطقة السيدة زينب فى عقول كبارها، وهناك تستطيع أن تستمع إلى مئات القصص عن بطولته وشجاعته، من الممكن وجميعهم يتفقون على شهامة "عفيفى القرد" وهذا هو عين الحقيقة.
أما حى الدراسة فهو الآخر كان له نصيب من "زمن الفتوات الجميل" على يد "حسن كسلة" الذى استطاع أن ينجح فى حماية المنطقة من أى خطر، كما كان كبير هذه المنطقة وقادر على أن يحل مشكلات أهلها، لم يسقط منه نبوته فى يوم من الأيام ولم يضعف أمام الظلم بل كان صوت الحق بداخله هو الأقوى، فلعب دور البوليس الشعبى ببراعة جعلت ذكراه فى حى الدراسة شيئا طبيعيا حتى بعد مرور سنوات طويلة.
فى بولاق والسبتية لا أحد ينسى "إبراهيم كروم" فتوة هذه المنطقة لسنوات طويلة وحاميها من بطش الظالمين، "شومته كانت وسيلة الدفاع فطالما استخدمها لاسترداد حق أو الفصل فى منازعة بين طرفين، شهم وقوى وجرىء هكذا كان إبراهيم كروم، هذه الظاهرة التى اندثرت فى نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، وانتشر نقيضها خلال السنوات وانتهى "زمن الفتوات" الجميل فسلاما على أرواحهم لمن رسخوا أصول الجدعنة والشهامة فى الأحياء الشعبية المصرية.
فتوات هزوا عرش مصر.. من النبوت و"الجدعنة" إلى البلطجة.. سنوات تحول فيها البطل إلى حرامى والجدع إلى متحرش.. "عفيفى القرد" و"محمود الحكيم" الأبرز فى البوليس الشعبى.. شغلوا مساحات من روايات نجيب محفوظ
الأحد، 28 سبتمبر 2014 02:17 م
نجيب محفوظ
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ريم
تعقيب بسيط
معلومتك غير دقيقة بشأن روايات الحرافيش، فيلم التوت والنبوت لم يجسد عزت العلايلي شخصية عاشور الناجي إنما هي الرواية العاشرة والأخيرة من سلسة الحرافيش عاشور الناجي هو الشخصية الأولى في رواية نجيب محفوظ