خطب الأمير "قطز" فى أمراء المماليك والجنود الذين كانوا يتهيبون لقاء المغول، قائلا: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبنى، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين فى رقاب المسلمين".
ألهبت الخطبة حماس الجنود فى مواجهة "المغول" فى موقعة "عين جالوت" فى مثل هذا اليوم "3 سبتمبر 1260"، ويعتبرها المؤرخ البارز الدكتور قاسم عبده قاسم فى كتابه "عصر سلاطين المماليك": "تجهيزا معنويا للقتال حسب عرف العسكريين".
كانت هذه الخطبة هى آخر خطوات "التجهيز المعنوى" من قطز لجيشه، وسبقها فعل بالغ الأهمية، حيث أرسل إليه قائد التتار "هولاكو" أربعة رسل يحملون خطابا يفيض غطرسة يطالب بالاستسلام قائلا: "كثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل"، وجمع قطز الأمراء وشاورهم فى الأمر، فاتفقوا على قتل الرسل، وتم تعليق رؤوس القتلى على باب زويلة، وأبقى " قطز " على صبى من الرسل وجعله من جملة مماليكه.
كان هذا التصرف بمثابة "إعلان حرب"، وبالفعل نودى فى القاهرة وسائر إقليم مصر بالخروج إلى الجهاد فى سبيل الله ونصرة لدين رسول الله، وحسب الدكتور قاسم عبده قاسم، فإن الخوف من المغول كان بمثابة القيد الذى أقعد عددا من الأمراء والجنود عن الخروج لملاقاة العدو، ويستدل "قاسم" على ذلك بنص أورده "المقريزى" يؤكد هذا الاحتمال، ويشمل هذا النص خطبة "قطز" الملتهبة، وفيها أيضا أنه تقدم لسائر الولاة بإزعاج الأجناد للخروج للسفر، ومن يختفى منهم يتم ضربه بالمقارع، وسار حتى نزل الصالحية، وتكامل عنده العسكر، فطلب الأمراء وتكلم معهم فى الرحيل، فأبوا كلهم عليه فخطب فيهم الخطبة السابق الإشارة إليها.
هناك الكثير فى تفاصيل المعركة حول الكفاءة العسكرية البالغة لـ"قطز" فى إدارتها، ومنها تجهيز قراره القتالى قبل بدء المعركة، ويتلخص فى أن يزحف بجيوشه بواسطة مقدمات الجيش، وليس كما كان كالمعتاد بواسطة جواسيس أو طلائع محددة، حيث أرسل "بيبرس" على رأس مقدمة الجيش لاستطلاع قوات التتار، ودراسة مواقعهم وقواتهم وأسلحتهم وقيادتهم وخططهم، وكان هذا جديدا فى ذلك الزمن الذى لم تعرفه الحروب العربية السابقة.
ولو وضعنا هذه الكفاءة العسكرية إلى جانب الكفاءة المعنوية التى أطلق فيها قطز صيحته الشهيرة "وإسلاماه" تحفيزا لجيشه، سيكون الحاصل أننا أمام قائد فذ فى تاريخنا، استطاع إنزال الهزيمة بقوة بالغة البطش، وجدت نفسها فى معركة يتم فيها قتل قائدها "كتبغا نوين" وأسر ابنه.
تبقى "عين جالوت" وهى بلدة صغيرة فى الريف الفلسطينى تقع بين بيسان ونابلس خالدة فى الوجدان العربى والإسلامى، ويؤكد "قاسم" أن "هذه المعركة أثبتت أن الأمن المصرى يبدأ فى بلاد الشام عامة، وفى فلسطين على نحو خاص، وهو أمر تؤكده التجارب التى مرت على المنطقة طوال تاريخها".
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 3 سبتمبر 1260.. "قطز" يطلق صيحته: "وإسلاماه" ويقود مصر والشام إلى النصر على التتار فى "عين جالوت"
الأربعاء، 03 سبتمبر 2014 08:41 ص
المؤرخ البارز الدكتور قاسم عبده قاسم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة