تلك الجملة التى قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه حينَ وجَّهَهُ إلى خَيبر لقتال اليهود قائلا: «امض ولا تلتفت».
للأسف عممها البعض على حياتهم بشكل شبه كامل حتى صارت شعارا لهم فى الحياة ونمطا لشخصياتهم.
شخصيات بلغت درجة من الثقة بالنفس تشعرك كأنما يوحى إليها أو أن ذلك الخيار الذى اختارت المضى
فيه هو دائما الحق المبين المطلق الذى يستحيل أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنه نمط يصر دوما على أن يوحى لمن حوله بأنه مشغول للغاية فلا يمتلك أى وقت للمراجعة أو النقاش بحجة أنه لا
ينبغى أن يلتفت وأن الالتفات دائما تضييع للوقت، لابد أن يمضى.. ولا يلتفت ويكأنه جعل نفسه مكان سيدنا على ابن أبى طالب حينما قال له النبى صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة ونسى أو تناسى أن مساره الذى اختاره هو فى النهاية مجرد رأى وليس وحيا معصوما كالذى يتكلم به النبى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليمات.
إن كنت من أهل ذلك النمط ونصحك إنسان أو حتى انتقدك فلديك عدة خيارات للتعامل مع ذلك النقد وتلك النصيحة، أول هذه الخيارات هو «خيار لا تلتفت» العتيد.. خيار يتلخص فى ألا تعبأ به وتمضى فى
طريقك بحجة: «لا تلتفت» على أساس أنك «مش فاضى» لهذه الأمور المعطلة لمسيرتك التى هى
«عندك» مقدسة، الخيار الثانى هو «خيار كلهم كلاب» وفى هذا الخيار لابد أن تنظر إلى ناقدك أو ناصحك على أنه مجرد كلب يعوى وبالتالى تنطبق فى تلك الحالة أمثال من نوعية: «القافلة تسير والكلاب تعوى» و«لا يضير السحاب نبح الكلاب» و«لو أن كل كلب عوى ألقمته حجرا لصار الصخر مثقالا بدينار». إنه خيار سوء الظن بالناصح والناقد، فلا شك عند صاحب هذا الخيار أن ناقده حاقد عليه كاره له متربص بأخطائه أو ربما هو منافق لا يريد له الخير ولا يفكر إلا فى فضحه وتعطيل مسيرته المباركة، ببساطة لتكون من أصحاب هذا النمط اقنع نفسك أن مخالفك أو ناصحك كلب ثم دعه ينبح.
الخيار الثالث هو خيار «مين ده أصلا؟!» إنه خيار الاحتقار والتسفيه المسبق والتجهيل الأصيل وفى هذا الخيار عليك أن تعتبر ناقدك يقينا مخطئاً لا يمكن أبدا أن يصيب نقده، فما هو إلا جاهل أو منحرف المنهج لا يفقه تلك الرؤية الثاقبة التى لا يدركها إلا أمثالك من العباقرة، وهل يعقل أن يكون رأيك صوابا يحتمل الخطأ؟! هل يعقل أن تكون أنت المخطئ مثلا؟! حاشا وكلا.. مش معقول طبعا.. لابد من تجهيز حملة تبريرات سريعة ولا مانع من تشويه الناصح والتقليب فى تاريخ حياته وتجهيز «باكدج» التهم المعلبة ولا مانع من بيان ضمنى لعصمة رأيك ورأى من تتبع فى مواجهة ضلالات أولئك المشككين الجهلة الذين لم يهتدوا إلى الاقتناع بهذا الرأى الذى لا يأتيه الباطل أبدا والذى سيدركون عظمته بعد أن تثبت لهم الأيام صحته وروعته. أما الخيار الرابع فهو نقيض كل ما سبق، خيار النظر إلى النقد بعين الجد.. أن تنزل النصح والناصح منزلة معتبرة وأن تجعل ولو احتمالا يسيرا أن ناصحك ومنتقدك قد يكون على حق ولعله يريد لك الخير ويتمنى لك الأفضل ويحب لك ما يحبه لنفسه وأنه ربما لا يكون منافقا متربصا ولا حاقدا حاسدا ولا كلبا نابحا أو مشككا جاهلا. أن تحاول أن تستفيد من نقده أو على الأقل تحمله على أفضل
وجوهه وهو النصح لله والرغبة فى الإصلاح والدين النصيحة وأن تفترض أنك أحيانا تخطئ وتزل ولا مانع أن تقف أحيانا مع نفسك لتراجعها وتصحح مسارها ومسيرتها تلك المسيرة التى هى ليست فى الحقيقة معصومة ولا مقدسة. أن تعلم حقيقة أنه عليك أحيانا أن.. تلتفت.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محب
كلام منطقي جداً