نقلا عن اليومى..
فى أغرب تصرف يقوم به رئيس دولة، أقدم أنور السادات على اعتقال عقل مصر المضىء، إذ أصدر أمرًا بالتحفظ على 1536 من كبار المعارضين لسياساته فى الثالث من سبتمبر 1981 فى واقعة لم تحدث من قبل، والأدهى أن قائمة المعتقلين ضمت قامات لها وزنها فى المجتمع المصرى مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل، وفؤاد سراج الدين، رئيس حزب الوفد آنذاك، والروائية لطيفة الزيات، وفتحى رضوان وزير الإرشاد القومى فى زمن عبدالناصر، وعبدالمنعم تليمة، وصلاح عيسى، فضلا عن تحديد إقامة البابا شنودة الزعيم الروحى لأشقائنا الأقباط وغيرهم عشرات من كبار المثقفين والكتاب والسياسيين، علاوة على إغلاق بعض الصحف وإبعاد مجموعة من أساتذة الجامعة عن وظائفهم، ومع ذلك لم تتناول السينما هذا الحادث الجلل إلا مرة واحدة فقط، وكانت بشكل عرضى، فى عام 2003 عندما عرض فيلم «أيام السادات»!
قبل أن نشرح الأسباب تعال نتحدث سريعًا عن الظروف والملابسات التى دفعت السادات إلى إصدار أمر بالقبض على أبهى وأنصع العقول المصرية فى ذلك الزمن!
السخط الشعبى
لعلك تذكر- إذا كنت قد تجاوزت الخامسة والأربعين- أحوال مصر بعد حرب أكتوبر 1973، وكيف ضاع النصر العسكرى المجيد فى دروب المفاوضات مع إسرائيل حتى باتت أوراق اللعبة كلها فى يد أمريكا كما قال السادات نفسه بالحرف الواحد.
وأظنك تتذكر أيضا المساوئ الجمة التى صاحبت قرارات السادات الاقتصادية التى أطلق عليها «الانفتاح الاقتصادى» عام 1974، وكانت نتائج هذا الانفتاح وخيمة على الغالبية العظمى من الشعب المصرى، إذ تكدس الفقر وانتشر الحرمان بين الملايين، فى مقابل تراكم الأموال الحرام فى جيوب قلة من التجار والسماسرة وسارقى قوت الشعب، حتى ضج الناس وخرجوا فى مظاهرات عارمة فى يناير 1977 ضد السادات ونظامه، تلك التى سميت انتفاضة يناير.
فى يناير 1977 احتشد المصريون ضد السادات وهتفوا منددين بحكومته، وفى نوفمبر من العام نفسه ذهب السادات منفردًا إلى إسرائيل طالبًا السلام كما قال، الأمر الذى جعل معارضيه يتشممون روائح انقلاب جوهرى فى السياسات والانحيازات التى اتخذها نظام عبدالناصر لصالح الشعب وأيده فيها الغالبية العظمى من المصريين.
هكذا إذن لم يتوقف السياسيون والكتاب والصحفيون عن انتقاد مواقف السادات وخياراته، خاصة بعد أن اضطر كثير منهم إلى مغادرة الوطن إثر قرارات الإبعاد عن وظائفهم، علاوة على تعرض الكثير منهم إلى الاعتقال، خاصة اليساريين والناصريين والقوميين، وكلنا يذكر مأساة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم مع الدولة البوليسية الساداتية!
المهم- وكى لا أطيل عليك- فى عام 1981 شهد المجتمع المصرى حالة احتقان شديدة بسبب ازدياد الظلم والفساد من ناحية وبطش السلطة من ناحية أخرى، الأمر الذى أدى إلى اشتعال نوبة من نوبات الفتنة الطائفية فى الزاوية الحمراء بالقاهرة، فاضطرب الرئيس السادات وأصدر أمرًا فى 3 سبتمبر من ذلك العام باعتقال كوكبة من رموز الوطن متهمًا إياهم بأنهم سبب كل بلاء تتعرض له مصر، وعلى الفور انتفض كثير من كتاب النظام يمتدحون هذا القرار، لدرجة أن موسى صبرى، رئيس تحرير الأخبار آنذاك، كتب مقالا بعنوان «أخطر من قرار أكتوبر»!
وفى 5 سبتمبر ألقى خطابه الأخير الذى بدا فيه منفعلا بصورة لا تصدق لدرجة أنه سب معارضيه بالاسم، ما يعد تصرفا غير جائز من قبل رئيس جمهورية، وبعد شهر واحد فقط أقدمت الجماعات الإرهابية المتاجرة بالدين على اغتياله فى مشهد نادر المثال!
السينما المحافظة
علينا الاعتراف بأن السينما المصرية طوال تاريخها لم تكن سينما ثورية أو جريئة، أو سينما تحرض على مواجهة البطش أو الظلم بشكل فنى، بل كانت- فى مجملها- سينما محافظة.. تخشى السلطات.. تتجنب إغضاب الرأى العام حتى لو كان هذا الرأى يسير فى طريق فاسد.. لا تقرب- إلا فيما ندر- أجواء السياسة ومخاطرها، ولعلك تتذكر أن ثورة يوليو 1952 لم يتم تناولها سينمائيًا إلا بعد بضع سنوات على اندلاعها، كذلك لم يحاول صناع الأفلام عندنا أن يقدموا فيلما عن الزعيم أحمد عرابى، أو كيف احتل الإنجليز مصر عام 1882، أو مظاهرات العمال والطلبة عام 1946 أو غيرها من الأحداث السياسية المهمة، لذا يصبح من الطبيعى- والسينما عندنا هكذا تخشى الغوص فى بحر السياسة المتلاطم الأمواج- ألا تمر على أكبر عملية اعتقال تمت فى وقت واحد لأهم نخبة فكرية وسياسية ودينية.
لاحظ أيضا أن السينما عندنا لا تخلو من نفاق الحكام، فالأفلام التى امتدحت عبدالناصر وهو مازال حيًا أظهرت العصر الملكى بشكل بالغ البؤس، فالخديو إسماعيل كان مجرد رجل سكير يطارد النساء كما ظهر فى فيلم «ألمظ وعبده الحامولى/ 1962» لحلمى رفلة، وكذلك فعل صناع السينما فى عهد السادات، حيث أنجزوا عدة أفلام تدين الحقبة الناصرية وتعتبر الزعيم مجرد ديكتاتور مفتون بتعذيب المواطنين «الكرنك/ 1975» لعلى عبدالخالق على سبيل المثال!
هكذا إذن دأبت السينما المصرية على منافقة الحكام الحاليين من خلال سب وتجريس الحكام السابقين، فلماذا إذن لم تحاول السينما أن تتناول اعتقالات سبتمبر فى زمن مبارك؟
أغلب الظن أن صناع السينما فى مصر أدركوا بحساسيتهم الفنية أن زمن مبارك لن يختلف عن زمن السادات، وأن نائب الرئيس الذى شهد واقعة اغتيال الرئيس سيواصل السير على الطريق نفسها التى سار عليها سلفه القتيل، وهكذا لم تسع السينما إلى فضح جريمة اعتقال رموز مصر، خاصة أنهم لم يلبثوا فى المعتقل سوى أسابيع قليلة، إذ أفرج عنهم مبارك بعد توليه السلطة. هكذا- إذن- أضاعت السينما على نفسها وعلينا فرصة ذهبية لتناول قضية اعتقالات سبتمبر، إذ كان من الممكن أن تصاغ القصص المثيرة والإنسانية العديدة التى تتمخض عن عملية الاعتقالات هذه، وكان المجتمع قد ربح جولة مهمة فى صراعه مع الحكام الديكتاتوريين الذين ستنفضح قراراتهم المشينة من خلال أهم وسيلة دعاية وأكثرها بقاء وخلودًا، وأقصد السينما!
موضوعات متعلقة..
فى هجاء الفساد ومديح الودعاء الطيّبين..حريق مسرح بنى سويف.. تِسعُ سنوات على إسدال ستائر الأرض وإضاءة مسرح السماء
محمد فؤاد المهندس: شريهان أثارت غضبه.. وفاطمة الزيادى منعته من التمثيل
محمد غنيم يكتب : المصريون القدماء أول من عرفوا العقوبات السالبة للحرية.. سجون المحروسة من النبى يوسف لمبارك.. تاريخ الحبس فى مصر.. حفر الفراعنة أسرارها على جدران المعابد وطوّرتها وزارة الداخلية فجعلته
عطر الأحباب ..عندما اعتقل السادات 1536 سياسيا وكاتبا عام 1981..لماذا تجاهلت السينما أحداث سبتمبر.. وكيف أحجم المخرجون عن ذكرها فى أفلامهم..هيكل وسراج الدين ولطيفة الزيات وفريدة النقاش وفتحى رضوان وصلا
الجمعة، 05 سبتمبر 2014 09:46 ص
الرئيس الراحل محمد أنو السادات