الفتوى الأخيرة التى أصدرتها دار الإفتاء المصرية بخصوص تحريم الشات بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه إلا لعذر وضرورة تعتبر من الفتاوى الجديدة فى هذا الشأن وتدق جرس إنذار لرواد شبكات التواصل الاجتماعى وتضعهم ضمن المتحدثين بالكلام الحرام، والفتوى جريئة وحديثة فى هذا المجال ولكنها ليست المرة الأولى التى تخرج فيها دار الإفتاء عن الأمور التقليدية المعتادة فى الفتاوى، فقد أوصى مرصد فتاوى التكفير التابع لها منذ أيام بضرورة إصدار ميثاق شرف أخلاقى لمستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى لما لاحظوه من خطر داهم يهدد المجتمع، ويبدو أن دار الإفتاء قررت أن تقتحم لغم الشات وتواجه آفة العالم الحالية المتمثلة فى المحادثات الإلكترونية بين الجنسين، وفى هذا تطوير وتحديث للفتوى فى الإسلام وبرهان على مواكبة العصر وهذا أفضل مميزات الفتوى الشرعية التى لابد أن تراعى الزمان المكان واختلاف الظروف ومستجدات الأمور، وعلى هذا الدرب أيضاً سار الأزهر الشريف فى خط موازٍ لدار الإفتاء وانطلقت تصريحات على لسان الكثير من علمائه يؤكدون أن تحريم الشات درء للزنا وكأن لسان حالهم يقول إنه مثل الخمر، وقد حرم الله الخمر، فعلى الرغم من أن به منافع إلا أن أضراره أكبر من نفعه بنص القرآن الكريم ولذلك فتحريمه أفضل للبشرية وكذلك الشات قد يكون به منافع مثلما تقول الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر من أجل منفعة ما أو تعارف إنسانى أو لتقديم مشورة ولكنه يشجع على فوضى أخلاقية كبيرة فى المجتمع مثلما قال الدكتور محمد محمود هاشم نائب رئيس جامعة الأزهر.
وفى الحقيقة فإن دار الإفتاء تأخرت كثيراً فى الانتباه لهذه المشكلة التى تكاد تمثل المصيبة الأكبر فى عالمنا المعاصر، فشباب اليوم أصبحوا يعتمدون اعتماداً كلياً على هذا النوع من أنواع التسلية لقضاء معظم أوقاتهم فى متعة إلكترونية كاذبة، وربما لزيادة حجم البطالة وعدم وجود عمل للشباب والبنات أتاح لديهم وقت كبير جداً من الفراغ وكذلك تأخر سن الزواج لدى الجنسين وانتشار أجهزة المحمول رخيصة الثمن ذات تقنية الإنترنت ورخص باقات الإنترنت مما يجعلها متاحة للجميع، كل ذلك جعل الهروب إلى الدخول فى الشات متعة كبيرة ورغبة ملحة لدى الطرفين على أساس تبادل المنفعة وقضاء وقت سعيد بدون خوف أو رقابة.
وتأخر دار الإفتاء فى إخراج الفتوى يدعو للتساؤل عن أسباب غض الطرف طوال السنوات الماضية عن مثل تلك الحالات رغم أنه بالتأكيد وصلت لها الكثير من طلبات الفتوى التى تكشف النقاب عن وجود مشكلة جديدة فى حاضرنا فيما يخص الشات ولم تلتفت لها إلا بعد أن استفحل وصار إدماناً وأصبحت المواجهة صعبة ومعقدة، فمشكلة الشات لم تعد تقتصر على النصب الإلكترونى أو الاستغلال أو سبباً فى زيادة حالات الطلاق أو تدنى الأخلاق فحسب وإنما تعدته لتصبح بيوتاً للدعارة ومهنة ومأوى عشوائيا خطيرا، أجل فالشات الآن يستخدم من قبل الشباب والفتيات فى مواقع أخرى غير مواقع التواصل الإجتماعى لممارسة مايسمى بالجنس الإلكترونى وهو النوع الذى يلجأون إليه لتبادل المتعة بالوهم ومنها حالات تصل لحد اللقاء وممارسة الرذيلة ويكون السبب الشات وهناك شبكات للدعارة تعتمد عليها للتسويق لنشاطها واصطياد الضحايا، كل ذلك يؤكد على أن المشكلة بدأت منذ سنوات وتحولت من تسلية إلى مهنة وإدمان ؛ مهنة لتجار الجنس وإدمان لمن يهربون من واقعهم إلى براثن الوهم.
إن فتح ملف مواقع الشات الإلكترونى كان مطلباً ملحاً فرضه الواقع رغم تأخره، والفتوى بتحريمه لن تحل مشكلته ولن تمنع من استخدامه لأنها قضية تعدت حدود المشكلة وتحولت إلى زلزال صار يضرب المجتمع ويهدد أخلاقه ويحتاج إلى آليات أعمق من ذلك تتماشى وحجم الكارثة، وإن كنا فعلاً نريد القضاء عليها لابد أن تُحل مشاكل المجتمع التى أدت لوجود تلك الظاهرة، ودراسة الأسباب أهم معيار لوضع الحلول الصحيحة والمنطقية والفعالة، ومن تلك الحلول أن تحاول الدولة إيجاد فرص عمل للشباب للقضاء على أوقات الفراغ الكبيرة لديهم، الفراغ ياسادة أهم سبب ويؤدى إلى حدوث مصائب لا يتخيلها عقل، ولابد من تغير ثوابت وتقاليد المجتمع البالية تجاه الزواج وتيسيره، وضرورة وجود رقابة من قبل الأسرة والمدرسة على سلوك أبنائنا وتوجيههم للاستخدامات المفيدة للتكنولوجيا الحديثة، هذه بعضاً من حلول كثيرة يمكن للمتخصصين أن يبدأوا منها فى طريق حل المشكلة التى بدأت دار الإفتاء ومشيخة الأزهر الشريف اقتحام دهاليزها وعلى المجتمع المدنى كذلك أن يشارك بقوة فى التصدى لها.
وفقى فكرى يكتب: وسكت الشات عن الكلام غير المباح
الأحد، 07 سبتمبر 2014 04:13 ص
دار الإفتاء المصرية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة