د. شادية خليل تكتب: شَيْبَةُ طِفلَة

الإثنين، 19 يناير 2015 10:03 م
د. شادية خليل تكتب: شَيْبَةُ طِفلَة طفلة تبكى - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استيقظت من نومها مُنفزعة على أصوات الرصاص والقنابل، استيقظت وهى تحت الأنقاض التى تحتويها وتحتوى أسرتها، وبعد أن خرجت من تحت أنقاضها لم تجد من أسرتها أحد، لم تجد إلا نفسها، أخذت تبحث فى ثنايا البيت المُهدم على أسرتها، فوجدتهم جثث هادمة، أخذت فى جمع أشلاء أسرتها ودموعها تنهمر وتتساقط فوق خديها، أخشنت يداها قبل الأوان، شابت وهى مازالت فى سن الطفولة من هول ما يحدث حولها، بالأمس كانت تلعب وتلهو مع أخواتها وتجرى بكل حب وشغف تعانق والديها وتأخذ من أحضانهما الدفء والحنان، أما اليوم أصبحت وحيدة ذليلة مُشردة، بلا بيت ولا مأوى، ولا أسرة تحميها.

ذهبت الحسناء ذات الوجه الأبيض والشعر الأسود المُنسدل على وجهها إلى مخيمات الإيواء لتتجمع مع مثيلاتها وأمثالها فى مأوى الخيام، بعد أن فقد مُعظمهم مساكنهم وأسرهم، وبعد أن تحولت مدينتهم الساحرة إلى مدينة أشباح.

أصوات الصواريخ تحيط بهم، القتل السافر فى المواطنين أصبح يخيم عليها وعلى من حولها، بدأت الصغيرة ترتعد وترتجف خوفاً مما يحدث حولها من دمار وخراب وقتل وإذلال، أُناس أفكارهم شاذة تطاردها، شاذون فكرياً ويحاولون تطبيق ما لم يخطر لها على بال، ترى أشياء لم تتعلمها من أبويها، ومعلميها، جماعة متطرفة متكونة من جميع الأجناس العربية والغربية تفرض سيطرتها على المدينة بدون أى مُبرر ولا داع، شابت الصغيرة قبل المشيب بأعوام.

برد الشتاء يُطاردها ويقرص جسدها، حر الصيف أنهكها وأعياها، أصبحت الصغيرة حائرة وتتعجب لما يحدث حولها، بدأت تبحث فى كتاب الله وسُنة رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم - لتجد تفسيراً واضحاً لما يحدث حولها، فلم تجد فيهما ولا فى أى ديانة من الأديان السماوية ما يضاهى أفكار هذه الجماعات المتطرفة واعتدائها على المواطنين الآمنين.

ذهبت الصغيرة لمكتبة أبيها التى هُدمت وحُرقت معظم كتبها، بدأت تُلملم أوراقها، بدأت تبحث فى كتب التاريخ لكى تحاول أن تجد تفسيراً مُقنعاً من خلال تجارب الأسبقين، فلم تجد تفسيراً إلا تفسيراً واحداً وهو حب القوة والنفوذ، حب السلطة والحكم، لم تجد غير اللعب بمقدرات وبمصائر الشعوب، لم تجد غير أن للمال إغراء يُمكن أن يشترى به أصحاب النفوس الضعيفة لفعل ما يريده القوى من أجل فرض سيطرته.

امتلأت عينيها بالدموع وتساقطت ورسمت بدموعها الرقيقة لوحة على أوراقها المبُعثرة تعبر وتفسر بما هى فيه وحال دُنياها، رسمت بدموعها أحلى الكلمات..
رسمت بدموعها "ربِ إنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين"؛
رفعت الصغيرة يديها إلى السماء ودموعها تغمرها، وقالت: ربِ، فقدت أبى؛
فقدت أمى؛
فقدت أخوتى؛
هدموا مملكتى الصغيرة؛
هدموا مملكتى الكبيرة؛
قتلوا فى طفولتى؛
فأنت لى ربِ خير مُعين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة