على طول الزمان، ظل الأزهر الشريف مطمعًا لسيطرة القوى السياسية والدينية، فعندما أسس الفاطميون أكبر مؤسسة دينية إسلامية فى العالم، كان له دوره فى نشر المذهب الشيعى فى مصر والأقطار الإسلامية، وعندما ألغى صلاح الدين الأيوبى المذهب الشيعى فى مصر، وأغلق الأزهر، تحول المصريون وكثير من المسلمين للمذهب السنى، ليعود بعد ذلك قلعة للدين الوسطى، ويصبح المؤسسة الحاكمة للفكر الدينى الإسلامى.
وفى العهد الحديث توالت على الأزهر سنوات ظل فيها حجر عثرة أمام كل الأفكار المتطرفة التى رغبت فى السيطرة عليه جامعًا وجامعة، إلى أن استطاعت الجماعات المتشددة، كجماعة الإخوان المسلمين، والجماعات السلفية، اختراق أسواره، والتسلل إلى مناهجه الجامعية، لتحوله لبؤرة نشر لأفكارها المتطرفة والمتناقضة مع الفكر الوسطى المفترض تبنيه من قبل الأزهر.
فعدم وجود آلية واضحة لوضع المناهج الأزهرية، كما سيظهر فى هذا التقرير الذى نرفعه للمسؤولين عن المؤسسة، مكّن الأساتذة المنتمين لتلك التيارات المتطرفة من استغلال مناصبهم الجامعية فى تدريس كتب لأئمة التطرف من السلفيين والإخوان، من ابن عثيمين، إلى محمد بن عبدالوهاب، وسيد قطب، وغيرهم، والأمر ليس مقصورًا على كلية بعينها، بل امتد ليشمل جميع الكليات الشرعية والأدبية والعلمية.
يأتى قسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية، جامعة الأزهر، المفترض به تنشئة جيل دارس للعلوم الإسلامية والفكر الوسطى لنشر سماحة الدين فى العالم، نموذجًا يبين حجم تسلل المناهج الإخوانية للمؤسسة العريقة، وتدريس كتب تحتوى على الفكر الذى يحاربه الأزهر.
«ضياء. أ» ،خريج الكلية، سرد الكتب التى تم فرضها على دفعته، قائلاً: درسنا كتب أئمة السلفية والإخوان، على رأسها «فى ظلال القرآن» لسيد قطب، منظر الفقه التكفيرى للتيار الإسلام بشكل عام، والإخوان على وجه الخصوص، ودُرّس الكتاب على الفرقتين الأولى والثانية للعام الدراسى 2012/2013.
ويكمل «ضياء» أنه درس أيضًا كتاب «نواقض الإسلام» لمحمد بن عبدالوهاب، مؤسس الحركة الوهابية، بشرح الشيخ «ابن جبربن»، وهو من كبار مراجع السلفيين، مؤكدًا أنه وزملاءه تقدموا بشكوى لشيخ الأزهر ضد الكتاب الذى يناقض مناهج الإسلام الوسطى.
ويتابع «ضياء» قائمة الكتب السلفية التى درسها هو وغيره من الطلاب، منها كتاب «سؤال وجواب فى العقيدة» المأخوذ من كتاب «اعتقاد الفرقة الناجية»، و«أعلام السُنة المنشورة فى اعتقاد الطائفة الناجية المنصورة»، ومؤلفه هو الشيخ حافظ بن أحمد الحكمى، وهو سلفى من تلاميذ عبدالعزيز آل الشيخ، كما يدرس شرح القطب الوهابى ابن عثيمين الذى يعد من أكثر المشايخ تطرفًا لكتاب «عمدة الأحكام» لعبدالغنى المقدسى.
وتضم قائمة الكتب الإخوانية المدرسة بالكلية كتاب «فقة الأسرة المسلمة» تأليف الشيخ حسن أيوب، وهو من علماء الإخوان المسلمين القدامى، وكتاب «من روائع حضارتنا» لمؤلفه مصطفى السباعى، وهو مؤسس جماعة الإخوان فى سوريا، وأول مراقب عام لها عام 1945.
وباللغة الإنجليزية يدرس طلاب كلية التربية كتاب «the articles of faith» من تأليف الشيخ السلفى محمود مراد، وكتاب «on the nature of Islamic dawah» لمؤلفه إسماعيل راجى الفاروقى، وهو أيضًا سلفى المنهج، ويعتبر ابن تيمية شيخًًا له، وكتاب «تاريخ المذاهب الفقهية» لمؤلفه أبوأمينة بلال فيليبس، وهو مسيحى أسلم، وتبع المنهج السلفى.
ويلفت «ضياء» النظر إلى أن كل الكتب المذكورة كان يتم تدريسها باللغة الإنجليزية، وبعضها كان يدرس بالعربية إضافة إلى الإنجليزية.
صالح عثمان، أحد طلاب الأزهر، أكد أن أعضاء هيئة التدريس بالكليات التى تدرس العلوم الشرعية فى الأزهر أغلبهم من الإخوان والسلفيين، مضيفًا أنه حتى الكليات التى توحد مناهجها تخضع لأهواء الأستاذ فى الشرح، «وبعضهم بيسيب المنهج اللى طابعه الأزهر وبيهاجمه وبيقول إنه غلط»، مثلما يحدث مع شرح كتاب «الجوهرة» المقرر فى مادة العقيدة فى الكليات الشرعية، حيث يتجاهله الأساتذة السلفيون، ويدرسون مذكرات فى العقيدة السلفية.
وعن الآلية التى يدير بها الأزهر عملية وضع المناهج، أكد الدكتور محمد أبوليلة، رئيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية اللغات والترجمة: إن كل أستاذ يختار الكتاب الذى يدرسه، فى إطار منهج وخطة موضوعة، ويضرب مثالاً توضيحيًا على ذلك بقوله: «يتم تحديد الموضوعات التى تتناولها مادة الفقه فى جميع المراحل الجامعية، لكن الأستاذ له الحرية فى اختيار الكتب فى حدود الخطة الموضوعة عن طريق كتب يؤلفها أو مصادر تراثية».
ويتابع «أبوليلة» أنه لا تتوافر كتب لأقسام اللغات، وكل أستاذ يختار ما يقوم بتدريسه، معتمدًا على المصادر والكتب المترجمة.
طلاب: أساتذة الإخوان والسلفيين وجهونا للتصويت بنعم فى الدستور وانتخاب أبوإسماعيل للوقوف فى وجه العلمانيين والنصارى.
لا تقف الأمور عند تدريس المناهج الإخوانية والسلفية فى كليات جامعة الأزهر، لكنها تصل لما يزرعه بعض الأساتذة المتشددين فى عقول طلابهم الأزاهرة، وما يتم فرضه من توجهاتهم الفكرية والسياسية عليهم، مثل مطالبتهم بالتصويت بـ «نعم» على دستور 2012، المعروف بدستور جماعة الإخوان المحظورة، أو التصويت لصالح حازم صلاح أبوإسماعيل فى الانتخابات الرئاسية التى تم استبعاده منها.
يضيف الطالب صالح عثمان أن الكثير من الأساتذة استغلوا الطلاب، ووجهوههم لخدمة مصالح تياراتهم السياسية والدينية فى أثناء المحاضرات، مؤكدًا أن أحد الأساتذة وجه الطلاب لانتخاب حازم صلاح أبوإسماعيل، موضحًا أنه واجب شرعى.
ويؤكد «صالح» أن أساتذة الإخوان والسلفيين استغلوا نبرة «نصرة المشروع الإسلامى، والوقوف فى وجه العلمانيين والنصارى، وجبهة خراب مصر» فى الترويح لأحزابهم وأفكارهم، مؤكدًا أنه فى أيام الاستفتاء على دستور الإخوان جرت مناقشة سياسية حول لا ونعم، قال أحد الأساتذة للطلاب المعترضين «طبعًا إنتوا ركبتوا مركب اليهود والنصارى وقلتم لا للدستور»، كما حدثت مناقشة عن الدعوة السلفية مع أحد الأساتذة السلفيين فرد على طالب بأنه لو تحدث عن الدعوة مرة أخرى «هيحل دمه».
من ناحيته، يؤكد الطالب الأزهرى مؤمن عبدربه أن انحسار التيار الصوفى الأشعرى فى جامعة الأزهر، سواء بين هيئة التدريس أو الطلاب، يأتى بسبب توغل التيارات السلفية والإخوانية، رغم أن المناصب الإدارية يتولاها الصوفيون والأشعريون، ويستعينون بالدعم السياسى فى مواجهة الإخوان والسلفيين، لكنهم لا يتواصلون مع الطلاب.
وصرحت مصادر رسمية بجماعة الأزهر بأن عدد أساتذة الإخوان والسلفيين داخل الجامعة يصل إلى 300 عضو هيئة تدريس منتمٍ تنظيميًا لجماعة الإخوان، وذلك معلن، بخلاف المتعاطفين والخلايا النائمة، ومنهم من كانوا عمداء كليات لسنوات طويلة قبل التدخل السياسى بعد 30 يونيو، فضلًا على كثافة التيار السلفى فى الكليات الشرعية والعربية.
وعن الحركات الطلابية داخل الجامعة، يتحدث «مؤمن» بأن الإخوان يسيطرون عليها فى المقام الأول، يليهم السلفيون، فى ظل غياب تام لأى حركات طلابية أشعرية وسطية، وهذا كان جليًا فى آخر انتخابات لاتحاد الطلاب، والتى حُسمت لصالح أسرتى «جيل النصر المنشود» و«نبض الأزهر»، مع وجود بعض الطلاب المستقلين لا تصل نسبتهم 10%، وإذا أجريت انتخابات الآن ستكون نفس النسبة تقريبًا.
منسق حركة «أئمة بلا قيود»: طلاب الأزهر ما زالوا يثبتون وجود الله بحكاية «البعرة»
الشيخ أحمد البهى، إمام وخطيب مسجد سيدى جابر، خريج كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، منسق حركة «أئمة بلا قيود»، يروى تجربته مع المناهج التى تدرس بجامعة الأزهر، قائلًا: «كنا ندرس منذ حوالى 10 سنوات بكلية أصول الدين جميع الكتب من تأليف أساتذة الكلية، ولم يكن بها كتب تراث، وكان أغلب ما ندرسه، خصوصًا فى مواد العقيدة والملل والنحل، يخضع لرأى كل مؤلف، فمن كان سلفيًا انتصر للسلفية فى مؤلفاته، مثل الدكتور عمر عبدالعزيز القرشى، أستاذ الأديان السلفى بكلية الدعوة، والذى كانت له أزمة شهيرة مع الجامعة قبل 2010 بسبب ميوله المتطرفة».
موضوعات متعلقة..
طلاب الأزهر: لماذا تلموننا إذا أصبحنا «دواعش»؟!..4 طلاب بالجامعة يكتبون عن تجاربهم فى جامعة الأزهر.. وأزهرى علمانى: المناهج تُخرج لنا نماذج من أمثال زغلول النجار.. وكل كوادر التكفير خرجت من الأزهر
مناهج الأزهر.. لا تقبل شهادة لاعب الشطرنج وتكفّر ابن الزنا..الأساتذة يردون: لاعب الشطرنج يخل بكرامته وفاعلها شخص مجروح الشهادة أما إرضاع الكبير فندرسها للطلبة حتى يستطيعوا الرد على هذه المسائل
نواصل فتح ملفات عشوائية مناهج الأزهر..أساتذة الإخوان والسلفيين يخترقون الجامعة ويدرسون كتب سيد قطب وابن عثيمين..طلاب: أعضاء هيئة تدريس وجهونا لانتخاب أبوإسماعيل..ويدعوننا للوقوف ضد العلمانيين والنصارى
الجمعة، 02 يناير 2015 11:18 ص
سيد قطب
أعد الملف - إيمان الوراقى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة