فى عالم كرة القدم، الفريق الأقوى والقادر على إحراز العديد من الأهداف هو من لديه القدرة على خلخلة دفاع الخصم، لأن العبرة فى النهاية تكون بإمكانية أى الفريقين على هز الشباك، وهناك عدة طرق تكتيكية من قِبل المدربين؛ من أجل السعى لإدراك حلم الوصول إلى نهاية المباراة بتحقيق فوز مريح.
هذا عن كرة القدم، وما نعيشه من أحداث عالمية متلاحقة فى هذه الأيام ينطبق تمامًا على ما نشهده فيها؛ فالاقتصاد هو الهدف المرجوّ الذى تطمح العديد من الدول -خاصة الكبرى منها- للنيل منه والوصول إليه بأى وسيلة، وتحاول إيجاد الخطط الملائمة من أجل فتح فجوة ممكنة فى دفاعات الدول التى تعتبرها صيدًا اقتصاديًا مميزًا، لا سيما أن هذه الدول لديها الاستعداد الكافى لفتح هذه الفجوة بسبب صراعات داخلية أو إطماع مسئوليها فى ذهب المعز، فهو أساس كل الصراعات، والمحرك الأول منذ القدم على نشوب الحروب والغزوات، بل يُعد الحصار الاقتصادى هو العقاب الأمثل والرادع لأى دولة تخرق القوانين الدولية المتعارف عليها.
وأقرب مثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وما تفعله بدول المنطقة (منطقة الشرق الأوسط)، فها هى تدبر، وتخطط، وتجمع كل قواها الذهنية لكى تضمن ولاء هذه الدول لها وعدم مساسهم بحقوقها فى حصة البترول، فالبترول بالنسبة لأمريكا حياة، والعمود الفقرى لقيام صناعتها، على الرغم من أنه معروف لدى الكثيرين أنها تمتلك أكبر احتياطى بترولى فى العالم، إلا أنها لا تقربه ولا تفكر أصلاً فى المساس به، لأنها تعتبره ومنذ عقود طويلة سلعة استراتيجية مهمة جدًا –قد تكون بالنسبة لها أهم من القمح، الذى يعتبر غاية كثير من الدول من أجل معيشة شعبها– وعلى هذا الأساس لا تسمح إطلاقًا بفكرة أن تتوحد دول المنطقة أو أن تجتمع على رأى، فالنظرية الاستعمارية القديمة "فرق–تسد"، خطتها الأكبر فى "خلخلة دفاع المنطقة"، وهى ماضيةٌ فيها بكل ما أوتيت من دهاء ومكر، غير عابئة بالرؤى المحيطة بها والتى تكشف كل يوم عن نواياها الدفينة، فعزمها على تحقيق الهدف يجعل النيل منها أمر غاية فى الصعوبة، بل قد يكون مستحيل أحيانًا.
حتى عندما احتلت العراق فى مطلع تسعينيات القرن الماضى كان الغرض معروفًا وواضحًا للعيان، إلا أن أسبابها المعلنة جعلت دولاً كثيرة تتعاطف معها، وتُظهر العراق بمظهر الدولة الأخطر فى المنطقة، ووجودها بهذا الشكل لا يُشعر دول المنطقة بأى استقرار أو أمان ويجب اجتثاث خطورتها هذه، وفى النهاية بعد أن حققت الغرض الخفى والغير معلن من غزوها للعراق -بمساعدة دول المنطقة نفسها- أقرت بالحقيقة ولكن بعد فوات الأوان ولم يستطع أحد الوقوف بوجهها أو معاقبتها، فكيف يحدث ذلك وهى الدولة الأكبر اقتصاديًا والمتحكمة بسوق رأس المال العالمى.
وقتها أثارت موضوع النووي، أما اليوم فتخرج علينا بحيلة أخرى – وواضح أن فى جعبتها الكثير من الحيل ولن تمل فى إيجاد العديد منها – وهى داعش"وتُكتب داعس أيضًا"، تلك الجماعة التى تطيح بالعراق بإسم الإسلام، والإسلام منها بُراء، فلا يمكن أن يجتمع الإسلام والسياسة فى مكان واحد، أما الهدف هذه المرة تهديد إيران، فالعراق وشعبها خارج حسابات الولايات المتحدة، إيران هى الصداع الذى يسيطر على رأس أمريكا فى هذه الآونة وتود التخلص منه بأى شكل، ومهما كلفها هذا من ثمن، فلم تجد طريقة أفضل "أسوأ" من داعش التى كانت تتمركز من قبل فى سوريا بموافقة بشار الأسد، لتساعده على ترويع السوريين فى حربه ضدهم، وانتشارها فى العراق يحمل أهدافا إستراتيجية واضحة المعالم لا علاقة لها بالدين، خصوصًا مع تمركزهم بشكل مكثف فى شمال العراق، والسؤال الآن هل نجحت داعش ومن ورائها أمريكا فى غرضهم وبثت الرعب فى نفوس الإيرانيين؟؟!..لا أعتقد ذلك فإيران لا تعبأ بداعش ولا بأمريكا، والعرب هم من يدفعون الثمن – كانوا وسيظلوا – طالما أن فى فرقتهم قوة للولايات المتحدة.
الغريب فى الأمر أن هناك العديد من الدول صاحبة اقتصاد قوى ومميز مثل الصين وألمانيا، تدخلهم السياسى فى أمور المنطقة غير واضح المعالم ويكاد يكون غير مؤثر، ولو استخدمت هذه الدول سطوتها الاقتصادية بشكل أكثر تفعيل سيكون لها الكلمة العليا هى الأخرى، ولن تقف الولايات المتحدة موقف الدولة الأقوى، بل ستفكر مائة مرة قبل أن تخطط وتدبر مكائدها للمنطقة، فوقتها ستضطر أن تعمل مليون حساب لهذه الدول، ونحن بدورنا يجب أن نتقرب من الآن من هذه الدول اقتصاديا، فالاقتصاد وحده كفيل بأن يكون سفيرًا فوق العادة لأى تعاملات سياسية بين الدول بعضها البعض.
والتفسير الوحيد لفرضية عدم التدخل لا ينتج عن ضعف هاتين الدولتين، بقدر استخدامهما لسياسة النفس الطويل لاقتناص اللحظة المناسبة من أجل الهيمنة على مُقدرات الأمور، وتنحية الولايات المتحدة جانبًا، فقد قرأت من عامين تقريبًا تقرير يُفيد بأن الصين وألمانيا سيضعان نهاية لنظام القطبية الأحادية الذى تنتهجه الولايات المتحدة لفترة طويلة؛ بسبب ما سيؤول إليه اقتصادهما من قوة لن تستطيع الولايات المتحدة الوقوف أمامها، وهو ما نتمناه لأن سياسة الانفراد بالرأى آفة أصابت العديد من الدول بالهلاك.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة