حنان شومان تكتب: "Interstellar" حين يتزاوج العلم والفن

الثلاثاء، 06 يناير 2015 05:26 م
حنان شومان  تكتب: "Interstellar" حين يتزاوج العلم والفن حنان شومان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك أمور تحدث ونحن نشاهد فيلمًا لا علاقة لها بالفيلم ولا بالسينما أساسًا ولكن تفرض نفسها على النقاش حولها قبل الحديث عن الفيلم وحكايته وعناصره، وهو ما حدث معى وأنا أشاهد هذا الفيلم، فبعد حوالى عشرين دقيقة من بداية عرضه دخلت سيدة وبصحبتها رجل لمشاهدة الفيلم وجلست أمامى وبعد دقيقة واحدة بدأت تقول بصوت عالٍ وهى تنظر لهاتفها "أنا مش فاهمة حاجة من الفيلم، إيه الفيلم الغريب ده!"، ثم أكملت النظر فى هاتفها، وكان إلى جوارها فتاة أخرى تجلس مع شاب بدا أنه مستمتع بمشاهدة الفيلم فما كان منها إلا أن راحت تردد على مسامعه ومسامع المحيطين "يا عم أنا كنت أدبى وماليش فى العلم"!

بالتأكيد أفلام السينما تخضع فى الإعجاب بها أو عدم الإعجاب للذوق الشخصى للبشر، فما قد أراه فيلمًا عظيمًا قد يراه غيرى فيلمًا لا يُرى، والعكس صحيح، إذًا أن تخرج مشاهدة هنا أو هناك تقول "هذا فيلم وحش وهذا حلو" فهو أمر عادى جدًا ولكن المشكلة أن المشاهدة المجهولة الأولى دخلت الفيلم بعد ثلث ساعة من عرضه متصورة أنها تستطيع فى أى لحظة مع أى فيلم أن تستمتع به وتواكبه حتى لو فى منتصفه وهو منطق لا يستقيم فى مشاهدة أى فيلم إلا إذا كان بطولة سعد الصغير وصافيناز أو ما شابه، أما المشاهدة المجهولة الثانية التى اتخذت من كونها دارسة أدبى ومش علمى فتلك قضية أخرى عامة أزلية فى مصر وهو أن نوع الدراسة له علاقة بالذكاء والتحصيل وأن دارسى التاريخ والجغرافيا والأدب والفن أقل ذكاءً وأقل اجتهادًا من دارسى علوم الهندسة والطب والفيزياء، وهى فكرة مغلوطة جاهلة أسفرت عن سطحية الدارسين فى الحالتين، والغريب والعجيب أن فيلم Interstellar الذى كنا نشاهده أنا وهاتين الفتاتين هو تجسيد لمعنى التزاوج الحقيقى المثمر بين أهل العلم والأدب والفن.

الفيلم كتب قصته والسيناريو والحوار الأخوان كريستوفر وجونثان نولان، وأخرجه الأول وأنتجه بالتعاون مع زوجته والعالم الفيزيائى كيب ثورن التى أوحت تجاربه بكتابة هذا الفيلم فكان هو المستشار العلمى والمنتج المنفذ للفيلم، ولا تتصور بسبب هذه المعلومات أننا بإزاء فيلم عبارة عن معادلات كيميائية ولكنه فيلم فنى ممتع مخرجه صاحب 9 أفلام سابقة حصدت 4 بلايين دولار إيرادات و21 ترشيح و6 جوائز للأوسكار، إذًا فنحن إزاء فيلم قيم يحكى عن عائلة مكونة من أب وطفلين يعيش معهم الجد أبو الأم التى ماتت ويصور الفيلم حياة هؤلاء فى المستقبل حين تضيق الأرض بأهلها ويجدب الزرع والضرع ويتحول المناخ إلى أعاصير ورياح متربة تحرم البشرية من الطعام وتزيد الأمراض القاتلة، وفى هذه الأثناء يوجد عالم يحاول أن يجد مخرجًا لإنقاذ البشرية من الفناء على الأرض فيرسل برحلة استكشاف إلى الفضاء لعله ينجح فى إيجاد كوكب آخر يصلح للحياة البشرية، ويكون الأب هو أحد هؤلاء المكتشفين رواد الفضاء، وبالفعل بعد أهوال تفنى الأرض وينجح الأب وابنته التى كانت طفلة فى أن يجدا مكانًا آخر غير الأرض التى نعرفها لتعيش فيها البشرية ولا ينتهى الجنس البشرى، بالتأكيد الفيلم يحتاج لتركيز من المشاهد وهو يطرح فكرة اختلاف معنى الزمان من مكان لآخر ومن حياة لأخرى وهى حقيقة علمية فالثلاثة وعشرين سنة على الأرض تساوى دقائق على كواكب أخرى، نحن إزاء فيلم خيال علمى ولكن بلا كائنات فضائية أو أشكال غريبة ولكن ببشر وحكاية الأرض التى يقول الحاضر لنا إنها تنقلب علينا بسبب ما نصنعه من خراب لطبيعتها وتلك هى حكاية الفيلم.

استطاع المخرج أن يوظف العلم سواء بموضوعه أو بالمؤثرات والمشاهد والخدع والموسيقى التى وضعها عبقرى هوليوود هانز زيمر، فى أن يحكى لنا بالفن ونتخيل ماذا يمكن أن يحل بنا فى المستقبل، الفيلم بطولة ماثيو ماكونجى وآن هاثاواى ومايكل كين، وقد تكلف 165 مليون دولار وحقق حتى الآن إيرادات تزيد عن 640 مليون دولار، مما يدفعنى لأن أتسائل هل هؤلاء الذين دفعوا من جيوبهم هذه الملايين كلهم علمى ومش أدبى؟ أم أن تزاوج العلم والفن ونجاحه فى ذلك بأساليب فنية كفيل بأن يجعل أهل الأدبى يتعرفون على العلم؟.

ملحوظة أخيرة: هذا فيلم لو شاهده مؤمن بوجود الله يزيد من إيمانه، أما لو شاهده كافر بوجود الله فربما سيتخذه حجة لكفره، فكل منا يحاول تفسير وتأكيد عقيدته وأحيانًا بنفس الأدوات ونفس الحكاية.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة