هبوط أرصدة الاحتياطى خلال الثلاثة أشهر الماضية، الذى بلغ نحو 16.3 مليار دولار نهاية سبتمبر، وهى مرحلة حرجة وصفتها وكالة موديز للتصنيف الائتمانى بأنها "سلبية" على التصنيف الائتمانى لمصر وتعكس أن ميزان المدفوعات فى مصر يعتمد بصفة مستمرة على الدعم من الجهات المانحة، ما يجعل مصر فى أمس الحاجة إلى تدبير موارد دولارية فى أسرع وقت ومنها أو على رأسها: قرض صندوق النقد.
وسط هذا الغموض والتصريحات المتضاربة تبرز عدة شواهد ترجح التمهيد للتوصل إلى اتفاق مع المنظمة الدولية خلال الأشهر المقبلة، أبرزها تخفيض الجنيه أمام الدولار على ثلاث دفعات بدأت فى يناير ثم يوليو وأخيرا أكتوبر، وتزامن التحريك الأخير للعملة المحلية مع الاستعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية إذ تبدأ المرحلة الأولى 18 أكتوبر الجارى.
ومن أهم الدلالات أيضا اختيار الدكتورة سحر نصر، التى شغلت منصب الخبير الاقتصادى الأول وممثلة الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا بالبنك الدولى سابقا، والمستشارة السابقة للرئاسة فى المجلس التخصصى للتنمية الاقتصادية، وزيرة للتعاون الدولى، لقيادة المفاوضات؛ ما يعكس رغبة الحكومة فى اختيار شخصية أكثر فاعلية ونشاط وخبرة فى طبيعة المفاوضات مع مثل تلك المؤسسات الدولية.
الصندوق يوصى بتحرير سعر الصرف
تزايدت التكهنات حول الأمر مع قرار البنك المركزى بتخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار مجددا، الخميس الماضى، ليصل الجنيه إلى 783 قرشا للدولار، وهو أدنى سعر رسمى له منذ بدء عطاءات المركزى فى ديسمبر 2012.
قرار محافظ البنك المركزى هشام رامز، جاء بعد يوم واحد من عودته إلى القاهرة عقب مشاركته فى اجتماعات الخريف المشتركة لصندوق النقد والبنك الدولىين فى مدينة ليما، عاصمة دولة بيرو، وكانت بعثة صندوق النقد الدولى قد أوصت فى ختام زيارتها لمصر فى سبتمبر الماضى باتباع سياسة أكثر مرونة تجاه سعر صرف الجنيه.
وقال كريس جارفيس رئيس البعثة: "فى صالح مصر التحرك التدريجى نحو سياسة أكثر مرونة لسعر الصرف تركز على تحقيق سعر يضمن توازن السوق، وسيؤدى مثل هذا التحرك إلى زيادة توافر النقد الأجنبى وتحسين التنافسية ودعم الصادرات والسياحة وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر".
وأكد عمرو حسنين، رئيس شركة الشرق الأوسط للتصنيف الائتمانى "ميرس"، أن تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار "حتمية اقتصادية" خاصة بعد تراجع احتياطى البلاد من النقد الأجنبى على مدار الشهور الثلاثة الماضية وشح السيولة الدولارية فى مصر، مضيفا أن القيمة العادلة للعملة المحلية، التى تعكس العرض والطلب يجب أن لا تقل عن 8 جنيهات لكل للدولار، متوقعا تخفيض الجنيه ومواصلة تخفيضه ليصل سعر صرف الدولار فى أدنى تقدير إلى 8.50 جنيهات لدى القنوات الرسمية
انتخاب البرلمان يضفى شرعية على طلب القرض
مشاركة مصر فى اجتماعات الخريف قبل أيام من إجراء الانتخابات البرلمانية فى مصر، الاستحقاق الثالث والأخير لخارطة المستقبل، ربما شكلت فرصة للحكومة المصرية لطلب الحصول على قرض من صندوق النقد ولو بشكل غير معلن، وطلب إرسال بعثة رسمية لخوض مفاوضات تفصيلية بدلا من المراجعة الدورية.
وأكد الدكتور فخرى الفقى، مستشار صندوق النقد الدولى السابق، لـ"اليوم السابع": أن انتخاب البرلمان يعنى أنه ستتم مناقشة الأمر وحسمه بموافقة ممثلى الشعب المصرى وبالتالى يمكن إرسال خطاب نوايا للصندوق الذى يعنيه وجود سلطة تمثل الشعب فى تمرير أو رفض قرارات الحكومة، بما يضمن له التزام الدولة بالسداد.
خطوات استباقية نالت إعجاب الصندوق
منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى سدة الحكم فى يوليو 2014، التزمت الحكومة المصرية بتطبيق خطة واضحة للإصلاح الاقتصادى بتقليص عجز الموازنة بخفض دعم الطاقة وتحرير قطاع الكهرباء والتوجه لفرض ضريبة القيمة المضافة بدلا من ضريبة المبيعات علاوة على بعض إصلاحات ضريبية أخرى.
هذا الالتزام غير المشروط باتفاق مع أحد الجهات المانحة يراه بعض الخبراء الاقتصاديين خطوات الاستباقية لطلب القرض. وكانت إشادة بعثة صندوق النقد بنجاح الحكومة فى خفض عجز الموازنة الأساسى رغم تراجع المنح الأجنبية، وهو ما عزته إلى تنفيذ مجموعة كبيرة من الإصلاحات شملت إصلاحات دعم الطاقة، وتحقيق التقدم فى احتواء فاتورة الأجور، وزيادة الإيرادات الضريبية، بمثابة رسالة قوية مفادها رضا الصندوق نسبيا عن أداء الحكومة وهو ما يمهد للوصول إلى اتفاق ناجح إذا ما أعلنت القاهرة عن رغبتها الجدية فى الاقتراض.
وتوقع "صندوق النقد" تسارع نمو الاقتصاد فى مصر ليبلغ 4.5 فى 2015، مما يعكس تعافى الاستثمار فى مصر، مؤكدا أن نجاح إصدارات السندات الدولية لمصر يعكس تحسن الثقة.
وبالرغم من تلك النظرة التفاؤلية، يرى الصندوق أنه "بالرغم من انخفاض عجز الموازنة وتحسن معدل النمو الاقتصادى لا تزال مصر تواجه مخاطر أساسية، أهمها تراجع حوالات المصريين المقيمين فى تلك الدول نتيجة التباطؤ الاقتصادى الناجم عن هبوط أسعار النفط فى البلدان المصدرة للنفط".
الصندوق يؤكد استعداه لدعم مصر والحكومة تدرس البدائل
وفى مؤتمر صحفى، على هامش اجتماعات الخريف، جدد مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فى صندوق النقد الدولى، نفيه لما يتردد عن وجود مفاوضات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد للحصول على قرض، مؤكدًا أن الحكومة المصرية لم تتقدم بطلب للحصول على قرض من الصندوق.
ومع ذلك أشار أحمد إلى أن "صندوق النقد- كما قالت كرستين لاجارد مدير عام الصندوق مرارا وتكرارا- على أتم الاستعداد لدعم مصر بالطريقة التى تراها الحكمة المصرية مناسبة".
لكن وزير الاستثمار المصرى أشرف سالمان أكد فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع" أن "مصر ليست بحاجة فى الوقت الحالى للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى"، مضيفا أنه الحكومة لديها مصادر أخرى للتمويل وسد الفجوة التمويلية منها على سبيل المثال الحصيلة المتوقعة من بيع الأراضى للمصرين بالخارج خلال الشهرين المقبلين، فضلا عن موارد أخرى لتوفير الدولار من بينها ترتيب قروض من البنك الدولى والبنك الأفريقى للتنمية لدعم الموازنة العامة والميزانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة