من الحكومة إلى الموظفين: «احذروا.. الإعلام فيه سم قاتل».. كيف تحولت التحذيرات الشفوية إلى تقارير مكتوبة فى الوزارات بعد الثورة؟
السبت، 17 أكتوبر 2015 12:55 م
محمد شاكر
تحليل تكتبه: سهام الباشا
كيف نتخيل مستقبل الإعلام فى مصر وهناك مسؤولون قد يُفصلون من عملهم لمجرد تعاملهم معنا، نحن مجتمع الصحفيين والإعلاميين، وإدلائهم لنا بتصريحات ومعلومات هى فى الأصل حق لهذا المجتمع، فلم يكن خبر استبعاد الدكتور حافظ سلماوى، المدير التنفيذى لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، خبرًا عاديًا، بل تفاصيل استبعاده لا يمكن أن تمر علينا هكذا.
فحسب تصريحات سابقة نشرتها «اليوم السابع» فإن حديث «سلماوى» مع وسائل الإعلام كان السبب فى فقدانه منصبه فى ظل رفض وزير الكهرباء الحالى، الدكتور محمد شاكر، تحدث أى مسؤول مع وسائل الإعلام.
وتأتى من بين الشروط التى وضعتها وزارة الكهرباء لاختيار قياداتها الجدد هى «ألا يميلوا للتعامل مع الإعلام»، هذا إلى جانب الكفاءة، وألا يكونوا منتمين لجماعة الإخوان، وألا تقل أعمارهم عن 60 عامًا.
ولم يكن السبب الذى تحتج به «الكهرباء» مقنعًا، لا فى ظاهره ولا باطنه، فكيف يقتصر التعامل مع شخص واحد يحمل لقب المتحدث الرسمى باسم الوزارة بقطاعاتها المتعددة والمختلفة والمتشابكة؟!
صحيح أن حظر التعامل ليس بجديد فى العلاقة بين المؤسسات الحكومية والصحفيين خاصة، ولكن لم يكن الأمر بهذه الفجاجة، فالتصورات التى جاءت بها حكومات ما بعد الثورة كانت محاطة بتغيير منتظر على هذه العلاقة، تتسم بمزيد من حرية الرأى والتعبير، وتداول المعلومات فى المقام الأول، على عكس التضييق الذى كنا نعانى منه فى نظام مبارك البائد، إلا أن ما حدث هو انحدار أكبر نحو كلمات الحظر وعدم الإدلاء.
وظلت كلمات معينة تتردد على مسامعنا وبقوة، منها: «حضرتك أنا مش هينفع أتكلم معاك.. الوزير منبه علينا.. أنا آسف لازم آخد تصريح من الوزير.. فوت علينا بعد أسبوع أكون استأذنت لك من مديرى».. من سينتظر أسبوعًا، إن استطاع الصحفى أن ينتظر فما بالنا بالمواطن، هل سينتظر هو الآخر لكى يحصل على معلومة تتعلق بحقوقه التى تمسها قرارات الوزارة من أسعار الكهرباء، والشرائح التى يخضع إليها، وتأثيراتها، وقضية الأحمال وتخفيفها.
زميلة مجتهدة اضطرت فى إحدى المرات إلى أن تقسم بحياة أولادها لمصدر داخل وزارة المالية بأنها لن تكتب اسمه حتى تستطيع أن تحصل على المعلومات التى تريدها، لأنه بعد الثورة أصبحت قرارات الوزارة الخاصة بحظر التعامل مع الإعلام ليست مجرد قرارات شفوية كما كانت من قبل، بل أصبحت مكتوبة، وعرفًا سائدًا بين جميع الوزراء الذين اتبعوا التقليد الذى ابتدعه سمير رضوان منذ بداية تقلده الوزارة، وأصبح كل وزير يأتى بعده يصدر منشورًا لجميع القطاعات «ممنوع الحديث مع وسائل الإعلام».
وكان لوقع هذه القرارات تأثيراتها التى امتدت من قبل إلى مصلحة الضرائب التى أصدرت تعليمات داخلية لجميع العاملين بالمصلحة بعدم الإدلاء بأى تصريحات إعلامية، إلا بعد الحصول على إذن مسبق من رئيس المصلحة.
ولنا فى حالة الغضب التى سادت بين مندوبى الصحف المختصين بمتابعة وزارة الأوقاف دليل على ذلك، ففى بداية شهر سبتمبر الماضى تم تداول العديد من الاخبار حول الإجراءات المتشددة التى اتخذتها الوزارة فى التعامل مع الصحفيين، ومنعهم من دخول مقر الوزارة إلا يوم السبت فقط، وتعيين بوابة محددة لدخولهم وخروجهم، وتكليف أفراد أمن بملابس مدنية لتفتيشهم، وذلك حتى لا يستطيع الصحفيون التواصل مع الأئمة والعاملين بالديوان، وبصرف النظر عن مبررات الوزير بأنه كان يسعى للتفرقة بين الصحفيين أعضاء النقابة، وزملائهم الذين لم يحصلوا على عضويتها، فإن قراراته تعكس نظرته كمسؤول حكومى.
كثيرة هى المحظورات التى يتعرض لها زملاء المهنة فى تغطيتهم للأخبار.. المحظورات بطلتها تلك النظرة الضيقة التى يتعامل بها مسؤولو الحكومات بعد الثورة، والتى لم يستفيدوا أبدًا من الأخطاء التى ارتكبها سابقوهم فى حكومتى «نظيف» وعاطف عبيد، بل كرروا نفس الأسلوب، وجوّدوا فيها، وأضافوا إليها صبغة شرعية بقرارات إدارية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كيف نتخيل مستقبل الإعلام فى مصر وهناك مسؤولون قد يُفصلون من عملهم لمجرد تعاملهم معنا، نحن مجتمع الصحفيين والإعلاميين، وإدلائهم لنا بتصريحات ومعلومات هى فى الأصل حق لهذا المجتمع، فلم يكن خبر استبعاد الدكتور حافظ سلماوى، المدير التنفيذى لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، خبرًا عاديًا، بل تفاصيل استبعاده لا يمكن أن تمر علينا هكذا.
فحسب تصريحات سابقة نشرتها «اليوم السابع» فإن حديث «سلماوى» مع وسائل الإعلام كان السبب فى فقدانه منصبه فى ظل رفض وزير الكهرباء الحالى، الدكتور محمد شاكر، تحدث أى مسؤول مع وسائل الإعلام.
وتأتى من بين الشروط التى وضعتها وزارة الكهرباء لاختيار قياداتها الجدد هى «ألا يميلوا للتعامل مع الإعلام»، هذا إلى جانب الكفاءة، وألا يكونوا منتمين لجماعة الإخوان، وألا تقل أعمارهم عن 60 عامًا.
ولم يكن السبب الذى تحتج به «الكهرباء» مقنعًا، لا فى ظاهره ولا باطنه، فكيف يقتصر التعامل مع شخص واحد يحمل لقب المتحدث الرسمى باسم الوزارة بقطاعاتها المتعددة والمختلفة والمتشابكة؟!
صحيح أن حظر التعامل ليس بجديد فى العلاقة بين المؤسسات الحكومية والصحفيين خاصة، ولكن لم يكن الأمر بهذه الفجاجة، فالتصورات التى جاءت بها حكومات ما بعد الثورة كانت محاطة بتغيير منتظر على هذه العلاقة، تتسم بمزيد من حرية الرأى والتعبير، وتداول المعلومات فى المقام الأول، على عكس التضييق الذى كنا نعانى منه فى نظام مبارك البائد، إلا أن ما حدث هو انحدار أكبر نحو كلمات الحظر وعدم الإدلاء.
وظلت كلمات معينة تتردد على مسامعنا وبقوة، منها: «حضرتك أنا مش هينفع أتكلم معاك.. الوزير منبه علينا.. أنا آسف لازم آخد تصريح من الوزير.. فوت علينا بعد أسبوع أكون استأذنت لك من مديرى».. من سينتظر أسبوعًا، إن استطاع الصحفى أن ينتظر فما بالنا بالمواطن، هل سينتظر هو الآخر لكى يحصل على معلومة تتعلق بحقوقه التى تمسها قرارات الوزارة من أسعار الكهرباء، والشرائح التى يخضع إليها، وتأثيراتها، وقضية الأحمال وتخفيفها.
زميلة مجتهدة اضطرت فى إحدى المرات إلى أن تقسم بحياة أولادها لمصدر داخل وزارة المالية بأنها لن تكتب اسمه حتى تستطيع أن تحصل على المعلومات التى تريدها، لأنه بعد الثورة أصبحت قرارات الوزارة الخاصة بحظر التعامل مع الإعلام ليست مجرد قرارات شفوية كما كانت من قبل، بل أصبحت مكتوبة، وعرفًا سائدًا بين جميع الوزراء الذين اتبعوا التقليد الذى ابتدعه سمير رضوان منذ بداية تقلده الوزارة، وأصبح كل وزير يأتى بعده يصدر منشورًا لجميع القطاعات «ممنوع الحديث مع وسائل الإعلام».
وكان لوقع هذه القرارات تأثيراتها التى امتدت من قبل إلى مصلحة الضرائب التى أصدرت تعليمات داخلية لجميع العاملين بالمصلحة بعدم الإدلاء بأى تصريحات إعلامية، إلا بعد الحصول على إذن مسبق من رئيس المصلحة.
ولنا فى حالة الغضب التى سادت بين مندوبى الصحف المختصين بمتابعة وزارة الأوقاف دليل على ذلك، ففى بداية شهر سبتمبر الماضى تم تداول العديد من الاخبار حول الإجراءات المتشددة التى اتخذتها الوزارة فى التعامل مع الصحفيين، ومنعهم من دخول مقر الوزارة إلا يوم السبت فقط، وتعيين بوابة محددة لدخولهم وخروجهم، وتكليف أفراد أمن بملابس مدنية لتفتيشهم، وذلك حتى لا يستطيع الصحفيون التواصل مع الأئمة والعاملين بالديوان، وبصرف النظر عن مبررات الوزير بأنه كان يسعى للتفرقة بين الصحفيين أعضاء النقابة، وزملائهم الذين لم يحصلوا على عضويتها، فإن قراراته تعكس نظرته كمسؤول حكومى.
كثيرة هى المحظورات التى يتعرض لها زملاء المهنة فى تغطيتهم للأخبار.. المحظورات بطلتها تلك النظرة الضيقة التى يتعامل بها مسؤولو الحكومات بعد الثورة، والتى لم يستفيدوا أبدًا من الأخطاء التى ارتكبها سابقوهم فى حكومتى «نظيف» وعاطف عبيد، بل كرروا نفس الأسلوب، وجوّدوا فيها، وأضافوا إليها صبغة شرعية بقرارات إدارية.
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة