الفنان الفرنسى "كلود مونيه" و"تأثيرات الضوء"
كلود مونيه من أبرز زعماء طريقة الرسم فى الهواء الطلق، وأحد أشهر مؤسسى الانطباعية أو "التأثيرية" حيث قامت على توضيح تأثير الضوء على الأجسام، وقد ظهرت فى فرنسا خلال النصف الثانى للقرن التاسع عشر، وقد واكبت المدرسة الانطباعية النظريات الحديثة فى تحليل الضوء، فاستفادت منها فى توظيف الألوان، فقد رسم منظرًا لكوم القش تحت ظروف جوية متغيرة، وفى ساعات مختلفة من اليوم.
أوّل شىء يذكر له هو مغادرة الورشة والتنقّل فى الطبيعة، هذا الفعل الذى ساهم فى دراسة انطباعات الضوء وتفاعلها مع اللون.. لقد حاول "كلود مونيه" دراسة كيفيّة التعبير عن الضوء من خلال إنجازه بما يقارب (50 لوحة) لنفس الموضوع "كتدرال روان" ولكن فى أوقات مختلفة (الضحى، منتصف النهار، الغروب..)، هذه الدراسة التشكيليّة ساهمت فى إبراز كيفيّة تأثير الضوء على اللون واللون على اللون المجاور له والتعبير عن ذلك تشكيليّا.
"جورج سورا" وظاهرة المزج البصرى
عين الإنسان تستشعر ثلاثة ألوان فقط هى الأزرق والأخضر والأحمر، وبقية الألوان ليست إلا ناتجة عن تداخل تلك الألوان مع بعضها وبنسب مختلفة عند سقوط أكثر من لون من الألوان الثلاثة التى أشرنا إليها على العين وفى وقت واحد، فالعين لا ترى اللون الأصفر بل يحدده الدماغ كنتيجة لاستقبال العين للونين مختلفين فى وقت واحد هما الأخضر والأحمر وذلك هو ما نطلق عليه بالمزج البصرى.
وهنا يجب أن نعرج على تجربة الكيمياوى الفرنسى شيفراؤول وطريقته فى شرح هذه الظاهرة عمليا وربما إثباتها، حيث قام الرجل بنسج قطعة قماش من خيطين ملونين رفيعين جدا هما الأصفر الفاقع والأزرق الفيروزى، وعندما انتهى من ذلك قام بعرض قطعة القماش أمام عدد من الفنانين فاقروا بأن قطعة القماش خضراء، إلى أن قام هو بفك خيطيها وعزلهما عن بعض فظهر أنهما ليست إلا خيطا أصفر وآخر أزرق ولم يكن هناك ما يشير إلى الأخضر. كانت هذه التجربة فاتحة لمرحلة جديدة فى علم اللون وتطبيقاته الواسعة بالنسبة للفنان، حيث استثمر الفنانون الانطباعيين بشكل خاص هذه الظاهرة ونتائجها ووظفوها فى أعمالهم بشكل واضح ومؤثر.
ومن أشهر الفنانين الذين استفادوا من تلك النظرية جورج سورا والذى رسم بطريقة "التنقيط"، من تطبيقات هذه الظاهرة هو الرسم على القماش أو الكانفاس أو الأسطح الخشنة حيث يحققون مزجا بصريا مؤثرا بسبب التنقيط الذى تتعرض له بعض المساحات اللونية نتيجة حركة الفرشات على سطح القماش المصبوغ بلون جاف .
"جان فيرمير" و"فان جوخ" وظاهرة التضاد الآنى للون
إن استشعار الإنسان بالحرارة أو الضوء أو الصوت أو الموجب والسالب أو غيرها من المؤثرات، يأتى بسبب المقارنة بين أى مؤثرين فيزياويين متناقضين، فالحرارة نفهمها لوجود البرد والطعم المر نفهمه لوجود الطعم الحلو والنور نفهمه بسبب العتمة والصوت العالى نفهمه نسبة للصوت المنخفض، كذلك فإن تأثرنا بلون ما لن يكون مطلقا لان هذا اللون موجود فى مشهد ملون وأن احساسنا به هو نسبة الى تلك الالوان المحيطة به.
وبناء عليه فإننا نعرف الأشياء من أضدادها كنوع ونعرف مقدار تلك الشدة من معرفة مقدار ضدها، فالضوء نعرفه لأننا نعرف العتمة أما شدة الضوء كمقدار فنعرفها من شدة العتمة، أما (شدة) اللون فيحددها شدة متممه، فالأحمر مثلا نعرفه لوجود الأخضر أما شدة الأحمر فهى تزيد أو تنقص بحسب شدة الأخضر.. من هنا فإن رسم الأحمر على مساحة خضراء سيحدث أعلى وضوح أو تأثير فى حاسة الإبصار لدينا بسبب التأثير المتناقض لكل منهما فى حاسة الإبصار.. وهذا هو مفهوم التضاد الأنى للون، أى أن الألوان تبدو فى أبهى حالاتها إن تجاورت مع من تناقض، فالأحمر يبدو فى أبهى حالاته إن جاوره الأخضر أو أحاط به والأصفر إن جاور الأزرق طالما كان الأحمر هو اللون المتمم للأخضر وإن الأصفر هو اللون المتمم للأزرق، وهكذا بالنسبة لبقية الألوان.
وقد أدرك الكثير من الفنانين على مدى تاريخ الفن هذه الحقيقة ووظفوها فى أعمال بالغة الروعة والتأثير مثل "جان فيرمير" فى لوحته "صانعة الحليب"، حيث جاء قميص السيدة الأصفر وكنزتها الزرقاء. وأيضا "فان جوخ" فى لوحته "المقهى الليلى" ولكنه وظف الظاهرة باللونين الأصفر والأحمر.
"ليوناردو دافنشى" ودراسة "الظل"
وضع "دافنشى" فى مذكراته وفى كتابه "كتاب التصوير" مجمل آرائه ونظرياته حول تأثير الطبيعة على فن التصوير وعلاقة الضوء والظل.
وكتب ليوناردو فى هذا الصدد: "يجب أن ترسم المناظر الطبيعية بحيث تكون الأشجار مضاءة إلى النصف ومظللة إلى النصف، ولكن من الأفضل رسمها عندما تغطى السحب الشمس، لأن الأشجار تكون مضاءة بنور السماء الشامل وظل الأرض الشامل، وكلما كان جزء من أجزائها أقرب من وسط الشجرة، كان هذا الجزء داكناً"، وأضاف "بين الضوء الواقع والضوء المنعكس سيكون الجسم مظلما غامقا جدا بل وسيبدو أعمق مما هو فى الواقع بسبب مقارنته مع الضوء الواقع الذى يحده، فإذا كان الشخص الذى ترسمه موجودا فى بيت مظلم وتراه من الخارج فإن ظلاله تكون غبراء.
ويرى دافنشى أن مهمة الرسام الأساسية تصوير السطح المستوى بحيث يجعل الجسم بارزاً ومختلفاً عن السطح، وأن يكون قادرا على توزيع الضوء والظل من الفاتح والقاتم.
وجاءت لوحة "عذراء الصخور" تعبيراً ساطعاً عن نتائج دراسته لقوانين الطبيعة وظواهر توزيع الضوء والظل، وهذا ما تدل عليه السمات غير الاعتيادية والتعبيرية فى اللوحة، فظهرت خطوط الصخور التى تكون المغارة، بشكل لا يمرر تيار الضوء المستمر بل بعض أشعته فقط التى تظهر فى المركز وتترك أجزاءها المنفردة فى الظل العميق، وتضىء الأجزاء الأخرى بالضوء، وتتعرض مجموعة الأيدى للإضاءة الشديدة.
"دافنشى" فى علم التشريح
كان دافنشى عبقرية من طراز فريد، فنانا ومهندسا معماريا ومكتشفا وباحثا فى ميكانيكا الجسم البشرى، بالطبع هو لم يتلق تعليما طبيا لكن مخططاته التشريحية تظهر محاولته للربط بين تشريح الجسم البشرى وفن العمارة، فى سنة 1489 قرر ان يقوم بعمل أطلسى كامل لتشريح الجسم البشرى من الرحم إلى القبر لكن لم يكمل هذا الاطلس، كما اهتم بتشريح "الحصان" على وجه الأخص.
كانت أعمال "دافنشى" الأولى قبل هذا التاريخ المذكور تتركز حول تشريح الرأس ورسم الجمجمة من الخارج والداخل، ولكن رؤيته للمخ البشرى ظلت تقليدية، ويذكر أنه قضى ليالى طويلة فى المقابر يشرح الجثث على ضوء الشموع ويقال أنه قام بتشريح 30 جثة، بعدها قدم اسهاماته الأساسية لفن التشريح بالرسم والشرح، بدءا بتشريح العضلات والأوعية الدموية والأعصاب والجهاز التنفسى وأغشية الجنين والقلب وترك آلافا من الرسوم التوضحية بقى منها سبعمائة وخمسون لوحة تشريحية، وكان اول من رسم أعضاء الجسم البشرى من أربع جهات بما يعطى رؤية متكاملة للعضو او الجزء المرسوم وكان أيضا أول من استخدم تقنية حقن الأعضاء المجوفة بالشمع السائل لكى تظل محتفطة بشكلها الطبيعى.
سجل ليوناردو دافنشى مقاييس التشريح أبرع تسجيل فى لوحته الشهيرة "الرجل الفيتروفى"، حيث ساعده معرفته الواسعة بالتشريح والهندسة المعمارية، واللوحة تعبّر عن فهم الفنان للعلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة، إذ كان دافنشى يعتقد بأن وظائف جسم الإنسان تشبه كثيرا وظائف الكون وتتكامل معها.
اللوحة يمكن تطبيقها على الرسم والعمارة حين رسم جسدا إنسانيا شديد التناسق داخل دائرة ومربع فى آن واحد، حيث الاعضاء التناسلية هى مركزالمربع والسرة هى مركز الدائرة.
موضوعات متعلقة..
على غرار مجلة شارلى إيبدو.. متشددون يطالبون بإغلاق مجلة عراقية لنشرها لوحة عالمية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة