تحكى لى زينب أن الشوارع تشبهنا كثيراً؛ فكل ركن بها يعبر عن روحنا التى لا تلتئم إلا بزيارتها. من قال أن الشوارع بلا روح؟..بلا حياة؟..بلا شخصيات؟..فهنالك شوارع شخصياتها تتضح ملامحها ومعالمها عن شخصيات أناس كثيرين، فبهذا الركن ضحكة، وبهذا الجانب دمعة مدفونة منذ أمد، وبهذا البيت فن يتأجج كل ليلة ليضفى للشارع لونا من الحياة جديدا يبعث كل الأمل، وبهذا الشارع المُطل على الشاطئ سحر بجاذبية خاصة أتحدى أن يتمتع بها أحد من بنى البشر، يصادق البحر المُخلص الذى يحمل هم من جاءه وحيداً يشكو حزن، أو من جاءه عاشقاً فرحاً، فيشارك الجميع المشاعر والأفكار بصدر وأمواج رحبة .
زينب جدتى كانت دائمة الحكى عن بحرى التى تربت بها حتى أخذت من ملامح وجهها
السكندرى . تحكى لى كيف أن لا بركة فى ميزان غير الوقة ، ولا أيام تحلو عن أيام القرش صاغ ، تتعجب لغلاء الذهب يوماً بعد يوم مُعبرة عن تعجبها قائلة: يا بنتى ده الذهب على أيامى كان الجرام بخمسة صاغ..زمن عجيب !
تحكى عن حارة اليهود واليونانيين وكيف كان الجميع يعيش تحت حنين الإسكندرية الطيبة بسلام ومودة تغوص فى حكيها بشغف حتى تتسع ابتسامتى وأنظر إليها بشىء من الغبطة. تعيد الحكايات فى كل مرة
كانت تزورنا فأستمع إليها بنفس ذات الشغف بغير كلل، وتحكى هى بنفس الحماسة والصوت العالى الذى
كان يملأ حياة من حولها حياة أخرى !
تعد لى عمتى الأرقام باليونانية وأنا طفلة حتى أسعل من كثرة الضحك فاغرة فاهى تعجباً بهذه اللغة الغريبة قائلة: تانى...تانى..عشان خاطرى قوليهم تانى .
فتعيد عمتى العد من جديد لأسألها عمن علمها هذه اللغة، فتجيب بحكايات جديدة عن جيرانها اليونانيين بالإبراهيمية وعن كيف كانوا ينادون جدتى ( بأُم مُخَمد) ويتجمعون على رائحة البخور يوم الجمعة والقرآن وأكل الملوخية.
أذهب لأبى فى ساعة صفا فأستغله لأسمع المزيد عن هؤلاء الجيران، فيفاجئنى هو الأخر بحديثه عن صديقه القديم (أورى) الذى كان يعمل أبوه بسينما اللاجتيه، وعن صديقه الآخر (ميتسو) الذى علمه حب الصيد والكلاب وتربية الزرع.
ألجأ لرواية الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد"لا أحد ينام بالإسكندرية" حتى أعرف المزيد عن عروس البحر الأبيض بزمن لم أحضره، فأجده يبرع بوصف الأحداث والشوارع والمبانى والعشرة الطيبة بين السكندريين باختلاف دياناتهم وجنسياتهم.
أرى فى الشيخ مجد الدين جدى الذى كان يداوم على قراءة القرآن والذكر، وأقرأ عن دميان وديمترى فأتذكر حديث أبى عن الخواجات أصدقائه حينها.
مات دميان بنهاية الرواية، وماتت جدتى زينب أُم مُخَمد، ولكن لن تموت أبداً ذكريات الشوارع والحب الذى ملأ قلوب الناس فى هذه الفترة وإن فرقتهم الأيام والظروف ، فلا حب أبداً ينام بالإسكندرية.
الإسكندرية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد-سكندري
هي دي مصر
انت جميله وكلامك جميل صباحك وصباح مصر كلها زي الفل
عدد الردود 0
بواسطة:
إسراء سيف
ألف شكر :)
ألف شكر صباحك بيضحك :)