المعاناة على نفقة الدولة.. مأساة المرضى الغلابةتصريحات رئيس الوزراء تفجر أزمة تأخر العلاج.. وطبيب بمستشفى «الصدر» بالعمرانية: «القرارات بتتأخر شهرين.. ومش بنقدر نكتب الأدوية الغالية»

السبت، 24 أكتوبر 2015 10:22 ص
المعاناة على نفقة الدولة.. مأساة المرضى الغلابةتصريحات رئيس الوزراء تفجر أزمة تأخر العلاج.. وطبيب بمستشفى «الصدر» بالعمرانية: «القرارات بتتأخر شهرين.. ومش بنقدر نكتب الأدوية الغالية» شريف إسماعيل
كتب - محمد سالمان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ئناقض الواقع مع تصريحات المسؤولين الحكوميين، حقيقة أثبتتها الأيام فى مصر، وآخرها تصريحات رئيس الوزراء شريف إسماعيل فى أولى جولاته الميدانية حول إتاحة العلاج على نفقة الدولة لجميع المواطنين. النزول لأرض الواقع كان الوسيلة الطبيعية للتحقق من تصريحات رئيس وزراء مصر عن العلاج على نفقة الدولة.. البداية مع مستشفى الصدر بمنطقة العمرانية مع أشخاص يعانون من أزمات فى التنفس. وأصوات سعال تكسر صمت المكان. فى انتظار الموظف المسؤول عن تسليم قرارات العلاج على نفقة الدولة. من أجل التأكد من وصول القرار الخاص بهم من وزارة الصحة.

«س. أ»، ربة منزل، طلبت عدم ذكر اسمها، تعانى من «الربو»، تنتظر وصول الموظف المسؤول عن تسليم قرارات العلاج على نفقة الدولة، وقد روت قصتها مع العلاج على نفقة الدولة الممتد عبر 10 سنوات، من نقطة رئيسية هى تأخر صدورها منذ اللحظة التى بدأت فيها رحلتها على نفقة الدولة بعدما دفعت 20 جنيهًا رسوم أوراق تقديم، فقد أخبروها فى المستشفى عن الأوراق المطلوبة، وقامت بتسليمها بالفعل على أمل صدور القرار فى وقت قريب، لكن القرار تأخر صدوره لمدة لم تقل عن شهرين تقريبًا، الأمر الذى تكرر طوال السنوات الماضية عند تجديده.

«يا ابنى تجديد القرار ده ليه قصة لوحده».. هكذا تابعت السيدة التى تبدو على مشارف الخمسين من عمرها، قائلة: «أنا القرار بتاعى بيتجدد كل أربعة شهور وقيمته 400 جنيه بصرف بيهم علاج، وكل حاجة، والمشكلة إنه ساعات بيتأخر شهرين من الأربعة وبتروح علىّ فلوسهم إللى معرفش هى بتروح فين، هل بترجع الوزارة، إيه مصيرها خصوصا إن فى أدوية مينفعش تتصرف على العلاج عشان تكلفتها أعلى من قيمة القرار».

محاولة التعرف على مسار قرارات العلاج عن نفقة الدولة لم يقتصر على حديث ربة المنزل، فقد قال أحد الأطباء العاملين بالمستشفى، رفض ذكر اسمه: «قرارات العلاج على نفقة الدولة أصبحت أسوأ من زمان خصوصًا إن القرار لا يتعدى مدة الستة أشهر ومحدد بقيمة 600 جنيه، إنما فى الماضى كان القرار مدته عام ويمكن تعدى السقف السابق ذكره»، وأضاف: «كطبيب لا أستطيع كتابة روشتة لمرضى العلاج على نفقة الدولة تتعدى 65 جنيهًا فى الشهر، وإلا الصيدلية ترجعلى تانى وتقولى عدل فى الأدوية مثلا، مش بقدر أكتب مجموعة أدوية خاصة بالاستنشاق لأن تكلفتها تتخطى حاجز الـ 90 جنيهًا بغض النظر عن حالة المريض الصحية».

وتابع طبيب أمراض الجهاز التنفسى حديثه، قائلا: «من أسوأ الأمور إنى لمّا بطلب قرار علاج على نفقة الدولة فى شهر أكتوبر القرار بيصدر فى آخر شهر ديسمبر.. لمّا يكون المريض حالته الصحية زادت للأسوأ خصوصًا لو كانت حالته المادية ضعيفة ولا يستطيع شراء الأدوية على نفقته الخاصة، خصوصا إنه فى قرار صدر باستبعاد الأدوية غالية الثمن من القرارات».

فى 101 شارع وزارة الصحة بالحى السادس فى مدينة نصر، تقع مقرات المجالس الطبية، والشروط المعلنة من أجل استخراج القرار بأن يكون حاملًا للجنسية المصرية، ولا يتمتع بمظلة التأمين، أو غير قادر على دفع تكاليف العلاج، وقد أكد أحد القادمين من بنى سويف للحصول على قرار العلاج الخاص بزوجة شقيقه التى ستجرى عملية قلب مفتوح أن الموظفة أصرت على أن ينتظر يومين من أجل الحصول على القرار، رغم توسلاته بأنه قادم من الصعيد، ولا يوجد مكان خاص بالمبيت، مضيفًا أنه اضطر للمبيت لدى أحد أقاربه من أجل تسلم القرار من أجل إجراء العملية فى أحد مستشفيات القاهرة، فى ظل تردى الخدمة الصحية لديه فى محافظته، ويقع منفذو الدخول إلى المجالس الطبية فى حارة ضيقة يتكدس فيها المرضى وذووهم فى انتظار فرصة الدخول.

نصيحة هؤلاء المرضى المتمرسين على السير فى الطريق الطويل لقرارات نفقة الدولة يظهر صدقها فى أعينهم التى تعبر عن معاناة طويلة، ففى المعهد القومى لأمراض السكر بشارع قصر العينى، وبالتحديد فى الطريق إلى مكتب تقديم القرارات على نفقة الدولة، تبرز اللقطة الأولى، وكانت لسيدة عجوز تنفعل على الموظفة قائلة: «أنا تعبانة بقالى 4 شهور كل يوم هنا عشان القرار»، وفى الوجهة الأخرى للشباك يظهر رجل يقول منفعلًا: «أنا تعبان مش قادر أقف.. فى إيه روح بالورق تعالى، فى إيه؟»، دون استجابة الموظفة المسؤولة عن القرارات، ليُغادر من أمام شباك المكتب غاضبًا وفى حالة عدم اتزان ظهرت على خطواته. وعلى مقاعد من الطوب الأحمر أمام مكتب القرارات، جلس فتحى عبد الفتاح، وهو رجل تظهر عليه معالم كبر السن والمرض، وقد قال: «أنا زهقت.. روح صور البطاقة تعال وارجع.. أنا مش قادر.. القرارات هنا بتتأخر بالشهر، والعلاج غالى بره مش بعرف اشتريه، ودلوقتى سنى كبر ومش بشتغل، كنت زمان شغال نقاش لكن دلوقتى خلاص مش قادر، لازم يسهلوا على الناس لأنها تعبانة ومش قادرة على الطريقة ديه»، مختتمًا حديثه: «أنا خلصت الورق ومش هقدر أصرف العلاج عشان الصيدلية زحمة.. ولازم آجى يوم تانى من أوله عشان الطابور». وقالت إحدى السيدات: «العلاج يتأخر بالشهر علينا.. ودلوقت هروح أشوف ممكن يصرفوا علاج الشهر اللى فات بعد ما صوّرت الورق خلاص.. وربنا يكرم».

فى المعهد القومى لأمراض وأبحاث الكبد المتوطنة، وأمام غرفة معلق عليها لافتة «على نفقة الدولة»، اصطف المرضى فى انتظار السماح لهم بالدخول لمقابلة الطبيب، وهنا ظهر «ناصر»، وهو عامل فى أحد المصانع يقترب من العقد الرابع من عمره، مصاب بفيروس «سى» الذى اختصه رئيس الوزراء بالذكر، بأنه أكثر القرارات الموجه الاهتمام بها، وهو الأمر الذى نفاه الرجل، مضيفًا: «الدنيا هنا زى ما أنت شايف، الزحمة ومفيش حاجة بتتغير خالص فى البلد، أنا معايا إخواتى أربعة عندهم فيروس برضه وبيحتاجوا علاج، والمعاملة هنا على حسب الدكتور، وفى مش بيراعى ربنا بيبص على التحاليل وخلاص ويكتب الدواء، واللى مش عاجبه يروح يكشف بره».

البند الأخير المدون على موقع وزارة الصحة بشأن العلاج على نفقة الدولة يقول: «إن الخدمة مجانية، ولا يتم تحصيل رسوم أو تمغات على الطلبات المقدمة».. الدكتور رشوان شعبان، أمين عام مساعد نقابة الأطباء، أوضح أن الحق فى العلاج مكفول لجميع المواطنين بحكم كل الدساتير التى شرعتها مصر عبر تاريخها، لاسيما طبقة الفقراء، مؤكدا أن نظام العلاج على نفقة الدولة من بدع الحزب الوطنى من أجل إكمال الديكور السياسى، ليقوم النائب بالتقدم بطلبات للحصول على قرارات نفقات الدولة، ثم يسافر لأهل دائرته لتوزيعها عليهم حتى تكتمل الصورة، إنما الأصل فى الأمور هو توفير العلاج بكل سهولة من خلال ضخ الميزانيات بالمستشفيات لتقوم بعلاج المرضى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة