لابد لأى أمـة لكى تنهض وتقوم من كبوتها وتعيد بناء نفسها أن تمتلك ثقافة الإنجاز وصناعة الأمل.. فتأثير تلك الثقافة الإنسانية وذلك السلوك الحضارى الملهم فى إحداث التحولات والإنجازات الكبرى فى مسيرة التنمية لتأثير بـالغ الأهمية ويعد خطوة وآلية وركيزة أساسية من آليات النجاح فى إحداث التحول المنشود.
ولعل المتأمل فى حـال أمتنا الـعـربية يدرك عين الإدراك أن مجتمعاتنا لا تجيد هذه الصناعة ولا تبرع فى استخدام تلك الآلية إنما هى تجيد إلى حد التميز والتفرد والنبوغ "صناعة الإحباط".. وخطورة هذه الصناعة تتمثل فى قدرتها على تحويل المجتمعات إلى شخوصٍ جامدةٍ لا حياة فيها يُسيطر عليها الخمول واليأس والتقوقع والكراهية والإحباط.
لقد أصبح الإحباط مسيطرًا على قطاعٍ ليس بالقليل فى أمتنا وتفشى فيهم وتجد ما يعزز ذلك الشعور فى الأفلام السينمائية والبرامج الحوارية والمسلسلات التلفزيونية والأحوال الحياتية والظروف الاقتصادية والأزمات الاجتماعية والاختلافات العقائدية والانتماءات السياسية...... إلخ.
يشعر الإنسان بأنه لن يستطيع تحقيق ذاته وطموحاته مهما بذل من جهد فيركن إلى الرتابة والكسل بينما من يملك الأمل ويبذل الجهد يمكنه أن يحقق الأمنيات ويحول الأحلام إلى حقيقة ونجاح ملموس.. ويعمد الناس إلى عقد المقارنات بين بلادهم وباقى البلاد الأخرى على اختلاف وتنوع ثرواتها المادية والبشرية وتباين ثرائها وقدراتها الاقتصادية.. والعلاقة بين الرخاء والتنمية فى أى بلدٍ وبين منسوب الفرح والأمل والسعادة علاقة طردية فكلما كان البلد ثريًا ومتطورًا ومتحضرًا كان مواطنوه أكثر سعادة.. لذا فإن عقد تلك المقارنات يجعل النتيجة غالبًا تؤدى إلى الإحباط لأن المقارنات تكون من منظور ضيق ولا تعيها أى تفاصيل غير مظاهر الرخاء والسعادة الموجودة بغض النظر عن كيف حققت تلك البلاد نهضتها الاقتصادية وكيف مر هؤلاء الأفراد بمراحل كثيفةٍ من العمل الجاد.
ولعلى أكون صادقًا إذا قُلت إن بيئة الإحباط وبنيته التحتية مهيئة فى مجتمعاتنا العربية بشكل كبير من ظروف اقتصادية وأحوال إجتماعية وإنسانية.. وأدرك ذلك أعداء هذه الأمة فأصبحت صناعة الإحباط لنا كشعوب وتهيئتها وتصديرها لشبابنا أمرًا يسيرا مستغلين البيئة المحفزة على ذلك فيسكبون البنزين على النار الخامدة لتزداد وهـجـًا واستعارًا لتأكل الأخضر واليابس وتقضى معها على بذور الأمل فى القلوب.
نعم أصبح صناعة الإحباط وتصديره إلينا سلاحًا قويًا فى يد أعدائنا تتلقفه الشخوص الجامدة اليائسة لتقتل به بذور العمل والأمل لديها وتنتقل تلك العدوى بين أفراد المجتمع فيصبح وقود الأمة المتمثل فى الشباب فاقد للأمل والحلم.. ناظر دائمًا من منظورٍ ضيقٍ.. مشتت الرأى والفكر.. سهل الخداع والانهزام.. فاقد الصبر والجلد.. محدود الثقافة والعلم.. معدوم الثقة فى قدرات نفسه أو قدرات أى مسئول على التغيير.. فاقد الرغبة فى العمل بدعاوى انهزامية وأحكام استباقية سوداء معتمدة على رؤية سوداوية لواقعٍ صعب لا يحتمل ولا يحتاج منا إلا إطلاق العنان للأمل وإطلاق الطاقة للعمل لأنه لا سبيل لبناء الأمم غير ذلك .. أما إطلاق اللسان بالكلام والتشبث بالإحباط وتهيئة النفس لليأس والخمول ستقضى على الباقى من أمنتنا ولن نحقق تقدماً قـط .. فأخـوف مـا أخـاف على أمتنا هى الإستسلام إلى اليأس والركون إلى الإحباط.
مدحت مصباح جميل يكتب: صـنـاعة الإحـبـاط وتصديره
الأربعاء، 28 أكتوبر 2015 08:00 م
شخص حزين
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Soma
..
عندك حق وكلامك منطقى جداااا