ويمكن القول بأن السريالية بشكل عام تعنى "فوق الواقع" وهى مذهب فرنسى حديث فى الفن والأدب يهدف إلى التعبير عن العقل الباطن بصورة يعوزها النظام والمنطق، وحسب مُنظهرها الفرنسى أندريه بريتون، فهى آلية أوتلقائية نفسية خالصة، من خلالها يمكن التعبير عن واقع اشتغال الفكر إما شفويًا أو كتابيًا أو بأى طريقة أخرى، وهى "فوق جميع الحركات الثورية".
نشأت المدرسة السيريالية الفنية فى فرنسا، وازدهرت فى العقدين الثانى والثالث من القرن العشرين، وتميزت بالتركيز على كل ما هو غريب ومتناقض ولا شعورى، وكانت السيريالية تهدف إلى البعد عن الحقيقة وإطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام، واعتمد فنانو السيريالية على نظريات فرويد رائد التحليل النفسى، خاصة فيما يتعلق بتفسير الأحلام.
وارتبط نشوء الحركة السيريالية بالأحداث التى توالت على أوروبا وفرنسا بالتحديد فى مطلع القرن العشرين، التى انفجرت بقيام الحرب العالمية الأولى، وكان لها التأثير المباشر والرئيسى فى نشوء حركات الرفض والتمرّد والثورات الفنية والأدبية، التى تعتبر السيريالية أكثرها اكتمالاً.
ومن العشرينيات فصاعدًا انتشرت الحركة عبر العالم وأثّرت بشكل كبير فى الفنون البصرية والأدب والموسيقى والفكر السياسى والممارسة والفلسفة والنظرية الاجتماعية فى العديد بلدان العالم.
وانتقلت السريالية إلى مصر عن طريق جورج حنين، وهو صاحب الفضل فى تأسيس الحركة السريالية فى مصر، حيث إنه فى فترة إقامة جورج حنين فى فرنسا من مايو إلى سبتمبر 1936 التقى "أندريه بريتون" مؤسس السريالية العالمية، وتوطدت العلاقة وحين عاد إلى القاهرة قدم السريالية إلى مصر بصورة علنية ومباشرة، وقد بدأ "حنين" فى تنظيم حركة الفن والحرية، مع عدد من أصدقائه، ومن رحم هذه الحركة خرجة جماعة "الفن المعاصر"، وقد من عباءة الاثنين معظم الأسماء الفنية المصرية التى اتخذت من السريالية منهجًا لها.
رمسيس يونان
الفنان رمسيس يونان تزعم السرياليين فى منتصف القرن العشرين ولد عام 1913 وتوفى بالقاهرة عام 1966م، وهو من رواد التجديد فى الفن المصرى، وقد تزعم تمرد الجيل الثالث على الاتجاهات التقليدية فى الفن تزعم جماعة الفن والحرية التى تأسست عام 1939 ودعا فى كتاباته إلى السيريالية ثم الوجودية ثم التجريدية.
وتعتبر جهوده فى نقل الثقافة الغربية المعاصرة إلى العربية بالترجمة والرسم جهوداً عميقة الأثر وكانت حياته سلسلة من الاحتجاج والتمرد على كل طراز أو فكر سائد.
كامل التلمسانى
ولد كامل التلمسانى فى الخامس عشر من مايو عام 1915، فى محافـظة القلـيوبية، وأنـهى دراسـته الابتدائية والثـانـوية فيها، ثم التحق بكلية الطب البيطرى، ولكنه لم يكمل دراسـة الـطب، فقـد تركـها وهو فى السـنة النـهائية..تَـفـرَّغ بعدها لإرضاء ميوله وهواياته فى الرسم والتصوير والقراءة والكتابة والنقد الصحفى، وذلك بعد أن هاجر مع أسرته إلى القاهرة، وتنقل بين أحياء "الصليبة" بالقلعـة و"الجـيزة" و"العباسية".
بدأت هواياته لفن الرسم والتصوير وهو فى سن مبكرة، ولكنها لم تُنمِ وتصقل وتتخذ لها أسلوباً واضحاً ومميزاً إلا بعد إطلاعه على المدارس الفنية المختلفة، فكان ينطـلق فى حوارى القاهرة ويجوب قُـرى الريف ليرسم الفـقـراء فى قاع المدينة والفلاحين فى القرى.
كانت أعمال كامل التلمسانى تنتمى للسيريالية والتعبيرية، فقد كان متأثراً جداً بما تعانيه الطبقات الكادحة وخاصة لاعتناقه المذهب التروتسكى الماركسى، حيث جسد هذه المعاناة بطريقة فـنـية مبـتكرة وخـاصـة بـه، تتـمـيز بالجـرأة الفــنية فى التـعبـير، معـتمداً على تدفـُق عواطفه وأفكـاره، أكـثر من اعتـماده على نقـل الـواقـع وتقـلـيده، ومتـخذاً أسـلوباً ثورياً عنيفاً لا يعرف الإنسجام والتنسيق، بل إنه يعتمد الألوان الصارخة والمثيرة للتعبير عن حالات النـفـس البشرية.
إنجى أفلاطون
عندما بلغت إنجى أفلاطون خمسة عشر عامًا، كان الفنان محمود سعيد قد عرف فنها، وشجعها للسعى فى عمل كيان مهنى فى مجال الفن، وقام الفنان كمال التلمسانى برعايتها بناءًا على توصيه من الفنان محمود سعيد، حيث قام التلمسانى بتعريفها بالأسلوب السريالى والتكعيبى فى فن الرسم، ومنذ تلك اللحظة أثرت السريالية فى أعمال إنجى أفلاطون الفنية بقوة وهذا ما يمكن رؤيته فى أول أعمالها الفنية المعروفة "الفتاة والوحش" عام 1941.
واتخذت الفنانة العالمية إنجى أفلاطون من السريالية منهجًا للتعبير عن نفسها فنيًا، فصورت كل ما خطر ببالها من أحلام وكوابيس بطريقة روائية ويظهر ذلك فى عدد من لوحاتها، وفى نفس الوقت تقريبًا بدأت إنجى أفلاطون مشوارها الفنى مع جماعة "الفن والحرية".
حامد ندا
يعتبر هو رائد السريالية الشعبية، وله حضور قوى ومؤثر على خارطة الفن التشكيلى المصرى، مزج بين الرؤية السريالية والمفردات الشعبية، حيث تجمع ذكريات وسحر وأساطير مرتبطة بالعالم الشعبى المصرى، فصنع عالم من الغموض والمتعة، ومن أبرز أعمال حامد ندا السريالية، تأتى لوحات:داخل المقهى عام 1948، الفتاة والسمك 1955، إفريقيا والاستعمار 1963، والتوأمتان وأيوب المصرى وحسن ونعيمة.
عبد الهادى الجزار
اختلف النقاد حول سيريالية عبد الهادى الجزار، منهم من اعتبره سيرياليًا، ومنهم من اعتبره واقعيا، إلا أن الجزار، رفض التعبير الأساليب التقليدية، وتوجه نحو أسلوب تفرد به يجمع بين السريالية والتعبيرية والرمزية، جانب كونها شديدة الواقعية، يصيغها برؤية فنية نابعة من صميم البيئة الشعبية المصرية.
وكان الجزار أكثر وعيًا بظروف مجتمعه، مهمومًا بقضايا ومستقبل بلده، ربط الفن بالمجتمع فاتضح موقفه الفكرى الذى وضعه فى عداء مع السلطة فى ذلك الوقت، قدمته لوحة "الجوع" عام 1949 للتحقيق معه حول مضمونها الفاضح للبؤس والجوع الذى عانى منه الشعب كثيراً، وأفرج عنه بعد أن ضمنه الفنانان محمود سعيد، ومحمد ناجى بصلاتهما بالسلطة.
لوحة رقم 4
موضوعات متعلقة..
- إقامة حفلات لـ"عمر خيرت" وعرض أوبريت "ليلة من ألف ليلة" بمسرح جامعة القاهرة