منذ سنوات بعيدة، حضرت ندوة بأحد فنادق القاهرة التى تقع بحى شهير، عُقدت الندوة فى الطابق الثانى عشر بقاعة اجتماعات تطل على نهر النيل من ناحية حى جاردن سيتى الشهير، فى منظر يأخذ بالألباب بحق .
عراقة الفندق والموقع الساحر، والنوعية فائقة الجودة من الخدمة الفندقية جعلت الحضور وأنا من بينهم، يتناسون الغرض من إقامة الندوة.. فجأة ومع بدء فعاليات الندوة، تذكّرنا جميعا أنها عن الفقر والفقراء وعشوائيات مصر !!
الحضور كان جمعا لفيفا من جنسيات مختلفة، غالبيتهم من كتّاب ومُنظّرين سياسيين نراهم فى التلفاز والفضائيات، سرعان ما بدأت الندوة، احتدم الجدل وتطايرت الإحصائيات والأرقام الدالة على عمق الفقر فى عشوائيات وأحياء مصر المختلفة، ومؤكدة على قسوة السياسات الحكومية بمختلف الأنظمة السابقة والحالية (وأنها تؤثر الأغنياء على الفقراء)، وطُرحت أفكارا ورؤى للتنمية وللتخفيف من حدة الفقر.. تباكى الحضور على الفقراء وتعاطفوا مع قضاياهم.
لم ينس الحضور خلال فعاليات الندوة التى استمرت من العاشرة صباحا حتى الرابعة بعد العصر، أخذ قسط من الراحة، عملا بالقاعدة الشرعية أن لبدنك عليك حق، فاستراح الحضور من الجدل وسخونة المناقشات مرتين "للاستمتاع بالضيافة" ثم غذاء أقل ما يوصف أنه فاخر للغاية، وحوى من الأصناف ما زلت أجهل بعضها حتى اللحظة.. انتهت الندوة بتوصيات وتقارير وإدانة لسياسات حكومية ترسخّ للفقر وتحرم الفقراء من الوصول للخدمات المختلفة.
الحوار كان عن الفقر والفقراء، ومع هذا، بعض الحضور ممن نسمع عنهم ويتحقق فيهم مصطلح "رغد العيش" كلهم كان بينهم وبين الفقر بون شاسع وجميعهم لم يروا فقيرا سوى فى الأفلام المصرية القديمة، الندوة كانت عن الفقر والفقراء .. لكن لم أر فقيرا واحدا إلاّ عند عودتى بالمواصلات العامة، إذ خرجت من جو الفندق العريق (حيث التكييف البارد الهواء والمشبع بالروائح الذكية) لصهد الجو والحرارة المرتفعة والوجوه الكالحة.
ما أبشع التناقض بين وجوه ضاحكة مستبشرة راضية، كانت منذ برهة تتباكى على الفقراء فى مصر، وبين أخرى عابسة مرهقة منتشرة بالشوارع والأزقة والحارات تتناوشها الأمراض الجسدية والعلل النفسية.
هكذا كانت وما زالت تسير الحياة بمصر، علاقة جدلية مستمرة بين طرفين، المسافة بينهما ثابتة، طرف فقير يعانى وآخر يتحدث عنه وباسمه وربما يحقق منفعة ووضعا سياسيا واقتصاديا أو أكاديميا بسببه، فأصبح الحديث عن الفقر والفقراء فى مصر حرفة ومهنة يجيدها البعض وربما كان هؤلاء دعائهم فى جوف الليل "اللهم أدم الفقر بمصر واجعل لنا خيرا من وراءه".
فقراء - أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن صالح
الفقر والفقراء
عدد الردود 0
بواسطة:
هدي عبدالرحمن
صدق و سلاسة
عدد الردود 0
بواسطة:
وحيد حمدون
مقال رائع
مقال رائع